تعلو أصوات بالعراق منذ توجيه الحكومة الدعوة للرئيس السوري، أحمد الشرع، لحضور القمة العربية المُقرر عقدها ببغداد الشهرُ المُقبل، رافضةً دخول الرجل للبلاد.
وإذا كان لا مفر أمام محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة العراقية، من دعوة أحمد الشرع، لبغداد، على أساس هذه دعوة بروتوكولية بحتة ونابعة من كون دمشق عاصمة عربية لها مقعد بالجامعة العربية كغيرها من عواصم أقطار الوطن العربي الأخرى، وبصرف النظر عمن يحكمها ويتولى تسيير شؤون الدولة، فإن الأصوات العراقية الرافضة لاستقباله، صارت تردد نغمة تقول بأن منع الشرع من دخول البلاد ممكنًا حال أصدر مجلس النواب قرارًا يُلزم حكومة السوداني بذلك، باعتبار رجل سوريا الأول الآن كان متورطًا بأعمال عنفٍ وقضاء الرافدين حدد الموقف القانوني منه ووجه بحقه الاتهامات والأحكام.
ولا يستطيع أي مراقب أو حتى متابع لشؤون المشرق العربي، المجادلة بعدم انتماء هذه الأصوات العراقية لتيارات سياسية ذات ارتباطات خارجية وتحديدًا بالجارة إيران، وهي تيارات تحاول بمختلف الطرق والوسائل إبعاد الوطن العراقي عن محيطه العربي وإفساد مساعي بعض الدول العربية لإقامة علاقات طبيعية مع بغداد يمكن أن تخدم رؤي استراتيجية إقليمية عربية، وتعيد هذا الجزء المهم تاريخيًا وجغرافيًا وسياسيًا، لموقعه الأصلي والطبيعي ضمن الجسد العربي.
ولتحقيق الموضوعية أيضًا، تعدُ خلفية الرئيس السوري، أحمد الشرع، وارتباطاته هو الآخر الخارجية، مثار قلق لعواصم عربية عديدة غير بغداد، وتلك الارتباطات هي الأخرى تُعبر عن مشروع سياسي إقليمي عانت منه دول المنطقة لأكثر من 10 سنوات، بل لليوم لا تزال معاناة بعض الأقطار منه مستمرة، وحتى إن ما يحدث بقطاع غزة المكلوم حاليًا ليُعدُ أثرًا من آثاره.
لماذا ارتفع صياح بعض الأطراف العراقية بعد لقاء الدوحة؟
ضمن محاولاته لتقديم نفسه في ثوبه الجديد كـ رجل دولة، طلب الرئيس أحمد الشرع، من دولة قطر، التوسط لعقد لقاءٍ يجمعه مع محمد شياع السوداني، رئيس الوزراء العراقي، باعتبار لقاء من هذا النوع، يُمكنه كسر الحواجز النفسية ــ وهي المعوقات الأكبر ــ التي تقف بين النظامين العربيين، ولا شك في أن قطر بالوقت الراهن، الأرض المثالية للوساطة وترتيب اللقاء، لأن حكومتها لديها علاقات جيدة بالأطراف الأربعة الحاكمة للمشهد وهي: العراق، سوريا، إيران، وتركيا، وذلك بحسب ما كشفه مصدر عراقي لـ مجلة الدبلوماسية.
وبالفعل تقابل الرجلين، الشرع والسوداني، في الدوحة، وبحضور الشيخ تميم بن حمد، أمير دولة قطر، مما يجوز اعتبار اللقاء – وكما سبق الذكر – محاولةً لكسر الحواجز النفسية وفرصة للتحدث عن مخاوف الطرفين كلًا من الآخر، وبخلاف أنه يعكس وجود قدر من الاستقلالية لدى رجال بغداد ودمشق في إقامة اتصالات بينهما دون وساطة مباشرة من أنقرة أو من طهران.
الملفت كذلك في هذا اللقاء، هو تصرف محمد شياع السوداني وأحمد الشرع، من منطلق مواقعهما الحالية كـ رجال حكم رسميين، لديهم مسؤولية تجاه أوطانهم، يجوز لأجلها ومصالح شعوبهم، تجاوز أمورًا كثيرةً تكون لها اعتبارات عند السياسيين الآخرين ممن ليسوا بالحكم.
ولكن لم يكن لهذا اللقاء أن يمر بالعراق في ظل وجود التيارات السابق الإشارة إليها، وبالتالي ارتفع صياحها ومطالباتها التي من بينها استصدار قرار برلماني يعرقل نزول الشرع لأرض مطار بغداد الدولي لحضور القمة العربية، وكذا تزامن هذا الصياح وهذه المطالبات مع حملات نيابية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، تعيد التذكير بماضي الشرع القريب.
هل الإطار العربي بابًا مفتوحًا؟
يعتبر إبراهيم كابان، الباحث والمحلل السياسي، في تصريحات لـ مجلة الدبلوماسية، أن العلاقات العراقية – السورية تمر بأسوأ حالاتها الآن، بحكم حجم علاقات بغداد مع طهران في مقابل حجم خلافات دمشق مع طهران.
ويضيفُ كابان، بأن الإشكالية الراهنة بين العراق وسوريا، سببها ضلوع إيران بالأزمة السورية على مدار الـ 14 سنة الماضية قبل سقوط نظام الأسد، وبالوقت ذاته السيطرة أو ربما بتعبير مخفف، النفوذ الإيراني بالعراق الذي دفع ببعض الميليشيات العراقية للانخراط بالأزمة السورية، كاشفًا عن كون ذلك هو عمق الخلافات بين الطرفين وجوهرها (العراق وسوريا).
ويعتقد الباحث والمحلل السياسي، أن تحسن العلاقات العراقية – السورية، لا يمكن أن يحدث سوى بوجود تقاربات بين إيران والنظام السوري الجديد، بينما يفضل عزل هذه العلاقات (العراقية – السورية) عن التأثير الإيراني، مقترحًا بأن هذا الأمر ممكنًا إذا دخل العنصر العربي كأحد المخارج المطروحة للأزمة.
وفي هذا السياق، صرح إبراهيم كابان، بوجود مكونات مشتركة بين الطرفين العراقي والسوري، منها العلاقات الشعبية، والعلاقات بين بعض القوى السياسية بالدولتين، بالإضافة للعلاقات الجيدة بين الحكومة السورية وحكومة إقليم كردستان العراق والتي تعززها التفاهمات بين نظام أحمد الشرع وأكراد سوريا، مطالبًا بدور أكبر للأطراف العربية ضمن محاولات صيانة العلاقات العراقية – السورية، للتقليل من النفوذ الإيراني على حكومة بغداد.
كذلك يعتقد كابان، بأن قطر والسياسة القطرية بمواقفها الإقليمية، بابًا مفتوحًا وجسرًا يمكن عبره تقصير المسافات وبناء التقاربات وتمهيد الطريق أمام الجامعة العربية، لأن تلعب دورًا في تصفية الأجواء وتعطي ضمانات بين الحكومة العراقية والنظام السوري.