ذات صلة

أحدث المقالات

شادي رحال يُهدي “حبيبي يا ملك” لجلالة الملك محمد السادس في عيد العرش

بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد، أطلق الفنان...

“البقالي وفلسطين… حين تلتقي السياسة الرسمية بالتضامن الشعبي في المغرب”

لم يكن توقيف الصحافي المغربي محمد البقالي، أحد أعضاء...

كريم زيدان في بركان: هل يعيد وزير الاستثمار رسم حدود الحضور الوزاري؟

في مشهد غير معتاد، خطف وزير الاستثمار المغربي، كريم...

“البقالي وفلسطين… حين تلتقي السياسة الرسمية بالتضامن الشعبي في المغرب”

لم يكن توقيف الصحافي المغربي محمد البقالي، أحد أعضاء طاقم سفينة “حنظلة” المتجهة نحو كسر الحصار المفروض على غزة، مجرد حادث عرضي في جدول الأحداث اليومية، بل لحظة مفصلية أعادت النقاش حول العلاقة المغربية – الفلسطينية، وحدود التوفيق بين التزامات الدولة الدبلوماسية والتضامن الشعبي العميق.

منذ الساعات الأولى للاعتقال، تحركت الآلة الدبلوماسية المغربية بسرعة لاحتواء الموقف، حيث قام السفير المغربي في تل أبيب، عبد الرحيم بيوض، بالتدخل الفوري لمتابعة ملف البقالي. وأكد مصدر رسمي من وزارة الشؤون الخارجية أن “المملكة المغربية، وبتعليمات سامية من جلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، تتابع عن كثب ظروف توقيف المواطن المغربي محمد البقالي، وتحرص على ضمان سلامته القانونية والدبلوماسية”.

وفي شهادة رسمية، صرّح وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة، خلال ندوة صحفية سابقة، أن “المغرب يلتزم دائمًا بالدفاع عن حقوق مواطنيه أينما وُجدوا، وهو موقف ثابت لا يتغير”، مضيفًا أن “قضية فلسطين تظل من أولويات المغرب الاستراتيجية والوجدانية”.

من جهة أخرى، شهدت منصات التواصل الاجتماعي حملة تضامن واسعة مع الصحافي البقالي، واعتُبر اعتقاله انتهاكًا لحرية التعبير والعمل الصحافي في مناطق النزاع.

وقد عبّر الصحافي المغربي يونس مسكين عن الموقف بالقول: “ما قام به محمد البقالي يدخل في صميم الالتزام المهني والإنساني، ويجب على الدولة المغربية أن تحمي مثل هذه المبادرات لا أن تتحفظ عليها”.

كما صرّح رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، عبد الكبير خشيشن، أن “اعتقال صحافي مغربي كان يقوم بمهامه في تغطية عمل إنساني ودولي، لا يمكن إلا أن يُقابل بموقف تضامني من الجسم الصحافي المغربي، وبموقف رسمي يُعبّر عن رفض المساس بالحريات الأساسية”.

ولا يمكن الحديث عن هذا الحدث دون الإشارة إلى مبادرات المملكة المغربية على الأرض، حيث أرسلت، بأوامر ملكية، أكثر من 180 طنًا من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، تضمنت تجهيزات طبية، مواد غذائية، أدوية، وأغطية، في عملية اعتُبرت الأكبر من نوعها من دولة غير مجاورة للقطاع. وقد صرح مدير مؤسسة بيت مال القدس، محمد سالم الشرقاوي، أن “العمل الإنساني المغربي لا يتوقف عند الدعم الخطابي، بل يُترجم إلى مبادرات عملية وملموسة، تؤكد التزام المغرب الدائم بالوقوف مع الشعب الفلسطيني”.

السياق الإقليمي: مقارنة دولية للموقف المغربي

في سياق إقليمي يشهد مواقف متباينة من دعم المبادرات المدنية لفك الحصار عن غزة، تبرز تجربة المغرب كمدخل لنموذج يجمع بين معادلة التطبيع الدبلوماسي والموقف الإنساني الشعبي. ففي دول مثل تركيا وتونس، نُظمت أساطيل مشابهة مثل “Freedom Flotilla”، لكن الموقف المغربي تميز بظهور ملحوظ لهيئات نقابية وإعلامية وطنية، ما يضفي عليه بُعدًا خاصًا يربط بين القرار الرسمي والمقاومة الشعبية.

تفاصيل “سفينة حنظلة” وظروف الاعتراض

تنظم الط kterou Freedom Flotilla Coalition بعثة السفينة “Handala” من ميناء سِرَاكوزا الإيطالي في 13 يوليوز 2025، حاملة فريقًا متنوعًا من نشطاء وحقوقيين وصحافيين، من بينهم محمد البقالي. تم اعتراض السفينة من طرف البحرية الإسرائيلية في المياه الدولية على بعد حوالي 64‑100 كم من ساحل غزة، قبل نقل كل المعتقلين إلى ميناء أشدود.

الحركة الحقوقية Adalah وصفت التجاوز بأنه “اختطاف بحري غير قانوني”، مشيرة إلى اعتصام مفتوح بالإضراب عن الطعام من طرف النشطاء احتجاجًا على ظروف الاعتقال والامتناع عن التوقيع على وثائق الترحيل السريع.

موقف الطرف الإسرائيلي: إدعاءات رسمية وجدل قانوني

أصدرت إسرائيل بيانًا عبر وزارة خارجيتها على منصة X، اعتبرت فيه أن اعتراض السفينة مبرر لمنع ما وصفته بـ”محاولة دخول غير مصرح بها تنتهك النقاط الأمنية”، مؤكدة أن “الركاب في أمان” وأن العملية تمت بما يتماشى مع القانون البحري الإسرائيلي . مع ذلك، غابت قراءات رسمية تفصيلية حول التهم القانونية أو الاعتقال، مما أتاح الفرصة لحقوقيين ونشطاء لوصف الحدث بأنه تصرف تعسفي يتطلب مساءلة دولية.

التساؤلات والتوازن الداخلي

إن تجربة الصحافي محمد البقالي تكشف مجددًا هذه الهوة – أو بالأحرى هذه المسافة الحساسة – بين الدولة والمجتمع، بين الواقعية السياسية والمثالية الأخلاقية، وهي مسافة يجب أن تُدار بحكمة ومسؤولية، حتى لا تتحوّل إلى أزمة ثقة، أو إلى صراع رمزي يُضعف موقف الدولة خارجيًا، ويُربك انسجامها الداخلي.

فهل تعيد هذه الحادثة الاعتبار لمساحة التضامن الشعبي، وتُجبر الدولة على تصحيح بعض الاختلالات في خطابها السياسي والإعلامي؟ أم أننا بصدد حالة استثنائية ستُطوى كما طُويت قبلها العديد من القضايا المشابهة؟

في جميع الأحوال، تبقى فلسطين في وجدان المغاربة، والبقالي ليس سوى مرآة لما يشعر به الكثيرون، من أن فلسطين ليست قضية خارجية… بل مسألة داخلية.

spot_imgspot_img