ذات صلة

أحدث المقالات

حين تضلّل الكاميرا الحقيقة: كيف شوّه بعض الإعلام العربي صورة “كان 2025” في المغرب؟

التضليل الإعلامي في تغطية كأس أمم إفريقيا بالمغرب: قراءة...

الرؤية السديدة للدبلوماسية الملكية الاقتصادية قاطرة للريادة الإفريقية

  تميزت المملكة المغربية في عهد جلالة الملك محمد السادس...

برنامج الأغذية العالمي يُكثف جهوده لإنقاذ أكثر من 200 آلاف متضرر بشرق الكونغو

ذكر برنامج الأغذية العالمي أنه يُكثف جهوده لتقديم مساعدات...

“الحياد الإيجابي المغربي: استراتيجية تنمية وثقة في قلب إفريقيا”

في اليوم الدولي للحياد، الذي يُصادف 12 دجنبر من كل عام، تتجدد الدعوات الأممية للتشبث بمبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولتعزيز الحلول السلمية للنزاعات الدولية. هذه المناسبة تمنحنا فرصة للتأمل في تجربة المغرب في إفريقيا، كدولة استطاعت أن تحول حيادها الإستراتيجي إلى أداة قوية لبناء الثقة والشراكات، بعيدًا عن صراعات النفوذ التقليدية التي تكتنف القارة.

المغرب، وفق عدد من الباحثين والمهتمين بالشأن الخارجي، لم يكتفِ بالحياد كخيار تكتيكي، بل رفعه إلى مرتبة فلسفة عمل دبلوماسي تُثري علاقاته القارية. من خلال هذا النهج، نجح في تأسيس شبكة علاقات قوية مع مختلف الدول الإفريقية، تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ما جعله وسيطًا موثوقًا في أزمات معقدة مثل الأزمة الليبية، ومواجهة التحديات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء الكبرى.

الحياد كاستراتيجية دبلوماسية

لحسن أقرطيط، أستاذ جامعي وخبير في العلاقات الدولية، يؤكد أن “السياسة الخارجية المغربية تتأسس على القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، مع احترام صارم لمبدأ عدم التدخل وحسن الجوار. هذه المبادئ ليست شكليات قانونية، بل أطرت خطوات المغرب نحو إفريقيا، وجعلت منه قوة وساطة قادرة على التصرف بمرونة واستقلالية”.

أقرطيط يشدد على أن الحياد الاستراتيجي المغربي ليس موقفًا سلبيًا أو سلوكًا دفاعيًا، بل أداة تمكين. فهو يسمح للرباط بالحفاظ على مصداقيتها وموثوقيتها، سواء لدى شركائها الأفارقة أو في الساحة الدولية الأوسع. وفي ضوء هذه السياسة، صار المغرب شريكًا أساسيًا للأمم المتحدة في جهود حل النزاعات سلمياً، محافظًا على توازن المصالح واحترام سيادة الدول، بعيدًا عن الاستقطاب الجيوسياسي ومغريات التأثير الخارجي.

نموذج شراكة قائم على الاحترام والتنمية

البراق شادي عبد السلام، محلل سياسي، يذهب أبعد من ذلك، معتبرًا أن “الحياد المغربي يشكل قاعدة لتشكيل نموذج شراكة فريد في إفريقيا. المغرب لا يقتصر على الوساطة في النزاعات، بل يستثمر موقعه كمحرك للتنمية والتعاون البناء في إطار التعاون جنوب-جنوب”.

هنا يبرز بعد ثقافي وروحي مهم: المغرب، من خلال مؤسسة إمارة المؤمنين، يعزز إشعاعًا دينيًا معتدلًا ويرسخ المذهب المالكي، مما يوطد علاقاته بالعديد من الشعوب الإفريقية عبر أبعاد تتجاوز السياسة لتصل إلى الروابط الحضارية والثقافية. هذه الجذور التاريخية تمنح الحياد المغربي مصداقية إضافية، وتخلق شبكة ثقة دبلوماسية متينة، قائمة على الاحترام التام لسيادة الدول.

الحياد الإيجابي والتنمية المستدامة

السياسة المغربية تجاه إفريقيا لا تتوقف عند الاستقرار السياسي، بل تمتد إلى التنمية البشرية والاقتصادية. المشاريع الكبرى مثل مبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي أو مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، ليست مجرد استثمارات، بل أدوات تنموية تدعم السيادة وتقدم بدائل للتدخلات الخارجية المشروطة.

التركيز على التنمية المشتركة يعكس فلسفة المغرب في تبني الحياد الإيجابي: تقديم نموذج شراكة مستدام، قائم على المنفعة المتبادلة والتضامن الفعلي، بعيدًا عن منطق القوة والهيمنة التقليدية. هنا يطرح السؤال: هل يمكن لدول أخرى في إفريقيا تبني استراتيجية مماثلة توازن بين السيادة الوطنية ومبادرات التعاون البناء؟ وهل يعكس هذا النموذج المغربي بداية لإعادة رسم قواعد العلاقات القارية بعيدًا عن النزاعات الجيوسياسية؟

في النهاية، يثبت المغرب من خلال تجربته أن الحياد الإيجابي ليس مجرد موقف دبلوماسي، بل رهان استراتيجي وفعّال. إنه يعزز التنمية، يرسخ الثقة، ويتيح للمملكة دورًا مؤثرًا كوسيط نزيه وموثوق، يشكل نموذجًا يُحتذى به في القارة الإفريقية.

spot_imgspot_imgspot_imgspot_img