ذات صلة

أحدث المقالات

الدبلوماسية المغربية تتألق: تحالف إستراتيجي جديد مع باراغواي يعكس قوة الرؤية الملكية

الرباط – أسونسيون: حين تتحول الدبلوماسية إلى رؤية قارية...

المركز السينمائي المغربي ينعش مهرجان طنجة: رؤية جديدة، لغات متعددة، ومخرجون شباب في الصدارة

"البحر البعيد".. حين تلتقي السينما المغربية بعمق الإنسان والبحر...

انطلاق الدورة الـ 11 لمؤتمر ومعرض المدن الذكية ICEC 2025 بالقاهرة

أعلنت شركة ROOT Technologies (رووت تكنولوجيز) الشركة المنظمة لمؤتمر...

الدبلوماسية المغربية تتألق: تحالف إستراتيجي جديد مع باراغواي يعكس قوة الرؤية الملكية

الرباط – أسونسيون: حين تتحول الدبلوماسية إلى رؤية قارية مشتركة

لم تكن زيارة وزير خارجية باراغواي روبين راميريز ليسكانو إلى الرباط مجرد محطة بروتوكولية في أجندة التعاون الثنائي، بل لحظة رمزية تعكس تحوّلاً هادئاً في هندسة العلاقات بين أمريكا اللاتينية وإفريقيا، من خلال بوابة المغرب الذي بات يُؤسس لتحالفات نوعية تتجاوز الجغرافيا نحو شراكات مبنية على الثقة والرؤية المشتركة.

في هذا السياق، لم يكتفِ ناصر بوريطة بالإشادة بقرار باراغواي فتح قنصلية عامة في الداخلة، بل قدّم الحدث بوصفه ترجمة سياسية لوعي متجدد بالدينامية الإفريقية التي يقودها المغرب في عهد الملك محمد السادس. فالخطوة الباراغوايانية لا تُقرأ فقط كإعلان دعم لمغربية الصحراء، بل كإشارة إلى تحول في الموقف اللاتيني من القضايا الإفريقية، نحو تبنّي الواقعية والوضوح في المواقف الدولية.

هنا، يبرز سؤال جوهري: هل نحن أمام ولادة محور دبلوماسي جديد يجمع بين المغرب ودول أمريكا الجنوبية حول قيم السيادة، والتنمية، والتعاون جنوب – جنوب؟

إنّ بوريطة، في قراءته للحدث، لم يتحدث لغة المجاملة، بل لغة الشراكة المتوازنة، حين أكد أن الرباط وأسونسيون تتقاسمان رؤية واحدة للتعددية الدولية والالتزام بالواقعية السياسية. فكلا البلدين يواجهان تحديات متشابهة في السعي نحو العدالة الاجتماعية، وحكامة مسؤولة، واستقلال القرار السياسي عن مراكز النفوذ التقليدية.

تقدّم باراغواي نفسها اليوم كنموذج للإصلاح الهادئ في أمريكا اللاتينية، والمغرب بدوره يسعى لتوسيع خريطة شركائه خارج الدوائر الكلاسيكية الأوروبية. بهذا المعنى، تبدو العلاقات المغربية–الباراغوايانية تجسيداً حيّاً لدبلوماسية التحرّر من التبعية، واستعادة المكانة من خلال المبادرة بدل الاصطفاف.

ومن زاوية أخرى، فإنّ حديث بوريطة عن “منتدى لرجال الأعمال بين البلدين” و”تعاون ثلاثي نحو إفريقيا والعالم العربي ومنطقة الميركوسور” يكشف بعداً استراتيجياً جديداً: فالمغرب لا يريد فقط شركاء سياسيين، بل منظومة اقتصادية تكاملية قادرة على خلق توازن جديد في التجارة الدولية، يجعل الجنوب طرفاً فاعلاً لا متلقياً.

أما قرار باراغواي فتح قنصلية في الداخلة، فيحمل أكثر من بعد رمزي؛ إنه تجسيد دبلوماسي لموقف مبدئي، وامتداد لسلسلة الاعترافات الدولية المتزايدة بمغربية الصحراء. إنها رسالة واضحة مفادها أن المصداقية السياسية تُبنى على الثبات في المواقف لا على المناورة.

يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لهذا التقارب المغربي–الباراغواياني أن يشكّل نواة لتحالف إفريقي-لاتيني جديد يعيد رسم موازين القوى في الجنوب العالمي؟ وهل تدرك القوى التقليدية أن “زمن الوصاية الجيوسياسية” يقترب من نهايته، لصالح منطق التعاون بين الأمم المستقلة والفاعلة؟

بين الرباط وأسونسيون، تتشكل اليوم معادلة جديدة في العلاقات الدولية: دبلوماسية قائمة على الاحترام المتبادل، والرؤية المشتركة، والانفتاح على المستقبل. ذلك هو جوهر التحالفات الحديثة التي لا تُبنى على المصالح الآنية، بل على الثقة الطويلة الأمد والمواقف المبدئية التي لا تتبدل مع تغير الفصول السياسية.

spot_imgspot_img