في مشهد وطني تميّز بكثافة الرمزية ومتانة البناء المؤسسي، ترأس صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، يوم الإثنين 12 ماي 2025 بالقصر الملكي العامر بالرباط، مجلسًا وزاريًا خصص للمصادقة على حزمة من القرارات والنصوص التشريعية في مجالات متعددة، منها المجال العسكري، وإعادة هيكلة بعض المناصب العليا، والمصادقة على اتفاقيات دولية.
هذا المجلس الوزاري، الذي يأتي في لحظة دقيقة من تاريخ المملكة، يمثل انعكاسًا حقيقيًا للروية الملكية في إقامة دولة مستقلة في قرارها، ومنفتحة على التعاون والتنمية والحكامة في آن واحد.
نحو هندسة جديدة للمسؤولية الوطنية
ما يميز المجلس الوزاري الأخير، تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، هو أنه لم يكن مجرد لحظة بروتوكولية أو مناسبة دورية للمصادقة على قوانين وتعيينات، بل محطة تأسيسية لرؤية جديدة للمسؤولية الوطنية. فإعادة ترتيب الأولويات الوطنية وفق منطق استباقي يجعل من خدمة المواطن محورًا لكل السياسات، ومن صيانة السيادة الوطنية روحًا تسري في كل القرارات، سواء كانت تشريعية، دبلوماسية، فلاحية، أو مائية.
الملك… قائد الإصلاح وضامن التوازنات الكبرى
إن ما جسّده جلالة الملك خلال هذا المجلس ليس فقط حرصًا على احترام المساطر الدستورية، بل أيضًا تكريسًا لوظيفة الملكية كضامن للتوازنات العليا، وموجه للبوصلة الوطنية نحو مناطق التحدي والمخاطر. لقد كانت الأسئلة التي وجهها جلالته للوزراء أكثر من مجرد استفسارات إدارية؛ بل كانت أسئلة استراتيجية تحمل في طياتها تحليلاً دقيقًا للواقع، وتحمل إرادة ملكية لتحويل الإشكاليات إلى فرص للإصلاح وتحسين الأداء.
على سبيل المثال، السؤال الملكي المتعلق بتأثير التساقطات المطرية على الموسم الفلاحي، لم يكن مجرد سؤال تقني، بل كان إشارة إلى أهمية الأمن الغذائي، وأداة لقياس فعالية السياسات الحكومية في هذا المجال. هذه الرسائل تُظهر مدى اهتمام جلالة الملك بتفاصيل الحياة اليومية للمواطن، وهو ما يعزز فكرته حول الحكامة الجيدة والالتزام بمسؤولية الدولة تجاه شعبها.
التعيينات العليا… استثمار في الكفاءة والفعالية
إن التعيينات الملكية التي صادق عليها جلالته، وفق الفصل 49 من الدستور، لم تأتِ في سياق بيروقراطي تقليدي، بل كان الهدف منها إعادة هيكلة العقل الإداري المغربي بما يتماشى مع تحديات التنمية والنهوض بمستوى الفعالية المؤسساتية. هذه التعيينات تعد بمثابة رسالة واضحة إلى النخب الإدارية والسياسية، مفادها أن الكفاءة والإنخراط الجاد في المشروع الملكي للإصلاح هما أساس التمكين الوظيفي والمسؤولية العمومية.
وفي هذا السياق، نجد أن التعيينات الأخيرة قد رافقتها انتقادات أو تساؤلات حول مدى قدرة المؤسسات على ترجمة هذه الكفاءات إلى نتائج ملموسة. فهل هذه الكفاءات، رغم توجيه الملك، قادرة على تجاوز الجمود المؤسساتي الذي يواجهه العديد من القطاعات؟ وهل ستستطيع الحكومة ضمان استمرار هذه الكفاءات في تنفيذ التوجهات الملكية على أرض الواقع؟
بين التوجيه الاستراتيجي والتأطير الدستوري
يندرج هذا المجلس الوزاري في إطار ممارسة سامية لصلاحيات جلالة الملك، طبقًا للفصل 48 من الدستور. لكن ما يميز هذا المجلس هو تكريسه لحضور المؤسسة الملكية كقلب نابض للدولة، تضمن التنسيق بين المؤسسات الحكومية وتضبط إيقاع عملها بما يتماشى مع مصالح المواطنين.
وفي هذا الصدد، يبقى السؤال الأبرز: هل تنجح باقي المؤسسات، المنتخبة والتقنية، في استيعاب هذا “النفس الملكي” الجديد؟ وهل ستتمكن من مواكبة الإيقاع الذي يجمع بين الرؤية الاستراتيجية، النجاعة، والالتزام الأخلاقي بخدمة الوطن؟ إن هذا يتطلب من الحكومة وكافة الفاعلين السياسيين والإداريين إظهار مرونة وقدرة على التكيف مع التوجيهات الملكية الجديدة التي تشكل خارطة طريق وطنية للأعوام القادمة.
خاتمة تحليلية
إن المجلس الوزاري الذي ترأسه صاحب الجلالة الملك محمد السادس ليس مجرد تأكيد للشرعية الدستورية للمؤسسة الملكية، بل هو تعبير عن مسؤولية تاريخية مستمرة في تأمين استقرار الوطن وضمان حقوق المواطن. بين حرص جلالة الملك على الأمن الغذائي، وتحديث المؤسسة العسكرية، وتطوير النظام القضائي، وتثبيت السيادة المائية، نلاحظ بروز ملامح ملكية إصلاحية، حازمة وإنسانية في آن.
لكن، مع إتمام التوجيه الملكي وتعزيز عمل المؤسسات، تأتي المسؤولية على عاتق الفاعلين العموميين. فهل نحن أمام بداية مرحلة جديدة من تجديد الفعل العمومي، تضع المواطن في قلب السياسات، وتستند إلى الكفاءة كمعيار للثقة؟ هذا هو التحدي الكبير، وعلينا كدولة أن نكون على قدر هذه المسؤولية التاريخية.