تستعد مصر نهاية العام الجاري لإجراء انتخابات برلمانية، هي الثالثة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وتأتي هذه الانتخابات في ظل ما تشهده الدولة من جهود على صعيد التنمية الاقتصادية، حيث تسارع القاهرة لإقامة وتطوير مشروعات البنية التحتية بهدف فتح ممرات للتنمية خارج شريط وادي النيل الضيق ومثلث الدلتا القديمة إلى الصحراء والسواحل الشمالية والشرقية.
ولدى أكبر دولة عربية من ناحية التعداد السكاني، تجربة برلمانية عريقة، بدأت بالنصف الثاني من القرن التاسع عشر (1866م)، ولطالما ظلت الانتخابات البرلمانية بها حدثًا مهمًا باعتبارها مختبر تشكيل أعلى سلطة تشريعية بالبلاد.
ولقد أجرت مجلة الدبلوماسية، حوارًا مع السياسي المصري العتيد، ناجي الشهابي، الذي يرأس حزب الجيل الديمقراطي، لاستكشاف رؤيته تجاه الانتخابات المقبلة المقررة في شهر نوفمبر (نونبر/ تشرين الثاني)، وبخاصةً أنه كان مشاركًا بالحوار الوطني الذي رعته الدولة وقدم حزبه بعض التصورات الرامية لإفساح المجال أمام دمج الأحزاب السياسية ذات القوة المتوسطة والصغيرة للوصول لبرلمانات توافقية.
وحزب الجيل هو حزب ذو ميول مدنية ولديه تصورات تجاه علاقات القاهرة بعواصم دول حوض النيل الأفريقية، بالإضافة إلى تبنيه مشروع اندماج بين مصر وليبيا والسودان تحت اسم: المثلث الذهبي.
وفيما يلي نص الحوار:
ما تصوركم للمناخ السياسي الآن في مصر بما أن الجزء الأكبر من قراء مجلة الدبلوماسية المغربية من غير المصريين ونرغب بإضافة خلفية لهم؟
المناخ السياسي في مصر شهد تطورات إيجابية متسارعة منذ ثورة 30 يونيو 2013، التي مثّلت لحظة فارقة في استعادة الدولة الوطنية المصرية لمكانتها واستقرارها، بعد محاولات خطيرة لاختطافها من قبل قوى لا تؤمن بالدولة المدنية.
وقد برز خلال هذه المرحلة دور متعاظم للأحزاب السياسية الوطنية المصرية، ومنها حزب الجيل الديمقراطي، الذي وقف بوضوح إلى جانب الدولة ومؤسساتها القومية في مواجهة تحديات جسيمة، كان من أبرزها محاولات نشر الفوضى وتفكيك الدولة من الداخل، ضمن مخططات إقليمية ودولية تستهدف وحدة واستقرار الشعوب العربية.
ويمكن القول إن الحياة السياسية في مصر انتقلت إلى مرحلة جديدة من الإيجابية والانفتاح السياسي مع دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحوار الوطني الشامل، الذي انطلقت جلساته العامة بدون خطوط حمراء، وبدون إقصاء لأي طرف، باستثناء من تلطخت أياديهم بدماء المصريين أو تورطوا في الإرهاب أو العنف.
هذا الحوار الوطني، بما شهده من مشاركة واسعة لكافة أطياف العمل السياسي والمجتمعي، فتح الباب أمام مناخ أكثر انفتاحًا ومسؤولية، وأعاد الاعتبار لدور الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، ورسّخ فكرة أن الاختلاف في الرأي لا يعني الخلاف على الدولة أو مؤسساتها.
وإجمالًا، فإن مصر تخطو بثقة نحو بناء جمهورية جديدة، يكون فيها التعددية والحوار والتمثيل السياسي الواسع من أهم مكوناتها، وهو ما نعتبره في حزب الجيل خطوة حقيقية نحو ترسيخ الديمقراطية المستقرة والواعية في المنطقة.
ما موقف حزب الجيل من قانون مجلس النواب وتقسيم الدوائر الانتخابية الذي أقره البرلمان مؤخرًا؟
قانون مجلس النواب الحالي، بتعديلاته التي أُدخلت عليه مؤخرًا، يعكس إرادة أحزاب الأغلبية في البرلمان، وهي – وفقًا للنظام البرلماني الديمقراطي في مصر وفي غيرها من الدول التي تأخذ به – صاحبة الحق في تمرير القوانين والتعديلات التي تراها مناسبة، بحكم امتلاكها للأغلبية التصويتية.
وقد قرر البرلمان الأخذ بنظام انتخابي يجمع بين القائمة المطلقة المغلقة والنظام الفردي بنسبة 50% لكل منهما.
وحزب الجيل، التزامًا بالدستور واحترامًا لقرارات السلطة التشريعية، يدعو إلى أن تتسع القائمة المطلقة المغلقة التي تعتمدها أحزاب الأغلبية لتشمل أكبر عدد ممكن من الأحزاب السياسية، حتى لا يكون هناك إقصاء لها أو تهميش لدورها.
بهذا الشكل نحقق أحد أهم أهداف النظام النسبي، وهو تمكين الأحزاب المختلفة – خاصة الصغيرة والمتوسطة – من التمثيل البرلماني وفقًا لحجمها الحقيقي في الشارع، وبالتالي نُعيد التوازن للحياة السياسية ونضمن مشاركة أوسع في عملية التشريع والرقابة.
طالبتم في تصريحات صحفية بإقرار قانون جديد للانتخابات يعبر عن إرادة الشعب ويعكس التعددية السياسية.. ما الخطوط العريضة لهذا القانون الذي تودون إقراره؟
نؤمن في حزب الجيل الديمقراطي بأن أي قانون انتخابي يجب أن يكون معبّرًا عن المادة الخامسة من الدستور المصري، التي تنص بوضوح على أن نظام الدولة يقوم على أساس التعددية السياسية والحزبية، وهو ما لا يتحقق إلا من خلال تمثيل حقيقي وفعّال لأكبر عدد من الأحزاب السياسية في مجلسي النواب والشيوخ.
ومن هذا المنطلق، نرى أن قانون الانتخابات يجب أن يكون محفزًا لتفعيل هذه المادة الدستورية، وأن يُسهم في دعم التعددية الحزبية، لا تهميشها أو تقليصها، وأن يمنح الفرصة خاصة للأحزاب الوطنية التي تصطف خلف الدولة المصرية ومؤسساتها القومية في معركة الحفاظ على الأمن القومي والتصدي لكل التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الوطن.
والخطوط العريضة لهذا القانون – كما نتصوره – تشمل:
- الاعتماد على نظام القائمة النسبية المفتوحة أو النسبية غير المشروطة، بما يسمح بتمثيل أكبر شريحة ممكنة من الأحزاب وفقًا لوزنها الحقيقي في الشارع
- تحقيق عدالة التمثيل الجغرافي والديموغرافي عبر تقسيم دوائر منضبط
- ضمان إشراف قضائي كامل على العملية الانتخابية بما يعزز الشفافية والمصداقية
- مواجهة المال السياسي ووضع سقوف حقيقية وفعالة للإنفاق الانتخابي
- تشجيع مشاركة الشباب والمرأة بإجراءات داعمة وغير معقدة
نحن نطالب بقانون انتخابي يُعيد الحياة السياسية إلى مسارها الصحيح، ويمنح المصريين برلمانًا يعكس إرادتهم الحقيقية، ويكون شريكًا قويًا في بناء الجمهورية الجديدة على أسس من التعددية والتوازن والاحترام المتبادل بين المؤسسات والقوى الوطنية.
ما موقفكم من قانون الأحزاب الحالي بمصر؟.. ولماذا تطالبون بمراجعة شاملة له؟
نحن في حزب الجيل الديمقراطي نرى أن قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 هو قانون جيد، خاصة فيما يتعلق بضمان عدم حل الأحزاب السياسية بقرار إداري، حيث يغُل يد لجنة شؤون الأحزاب من اتخاذ هذا القرار، ويقصره على القضاء الإداري ممثلًا في المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة، وهو ما يعكس احترامًا كبيرًا للدستور ودولة القانون.
وعندما دعونا إلى مراجعة شاملة للقانون، لم يكن ذلك انتقاصًا من جوهره، بل إيمانًا بأن القوانين بطبيعتها تحتاج إلى مراجعات وتحديثات دورية بما يتناسب مع تطور المجتمع ومتطلبات المرحلة السياسية الراهنة.
ونحن نؤمن في حزب الجيل أن أي تطوير لقانون الأحزاب يجب أن يتم في إطار حوار وطني واسع، بمشاركة قيادات الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، وأساتذة القانون الدستوري في الجامعات المصرية، حتى نضمن توافقًا وطنيًا على أي تعديل، ونُعزز من دور الأحزاب في دعم الدولة ومؤسساتها دون إثارة أية حساسيات أو اتخاذ مواقف قد تُفهم على نحو خاطئ.
غايتنا في هذا السياق هي دعم التعددية الحزبية وتفعيل دور الأحزاب الوطنية في الحياة السياسية، باعتبارها ركيزة من ركائز النظام الديمقراطي، وشريكًا فاعلًا في الحفاظ على استقرار الدولة المصرية وتقدمها.