لقاء استراتيجي بين مجلس النواب ووفد من الكونغرس الأمريكي: هل نحن أمام لحظة دبلوماسية مفصلية تعيد رسم أدوار المغرب في المجالين الأطلسي والإفريقي؟
في سياق إقليمي معقد ودولي متحوّل، استقبل رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، يوم السبت بالرباط، وفدًا هامًا من الكونغرس الأمريكي، ترأسه النائب روني جاكسون، العضو في لجنتي الشؤون الخارجية والقوات المسلحة بمجلس النواب الأمريكي. اللقاء، الذي اتخذ شكل غداء عمل، لم يكن بروتوكوليًا صرفًا، بل شهد تبادلًا صريحًا وبنّاءً للآراء حول الأولويات الاستراتيجية والقضايا المشتركة بين الرباط وواشنطن.
هذا الحدث الدبلوماسي البرلماني، وإن بدا في ظاهره مجرد محطة ضمن جدول علاقات ثنائية عادية، إلا أن توقيته ومضامينه يطرحان تساؤلات أعمق حول موقع المغرب اليوم كشريك استراتيجي لواشنطن في ملفات تتجاوز الإطار الثنائي، لتلامس الأمن الإقليمي، والتحولات في الساحل الإفريقي، والمجال الأطلسي الذي أصبح يشهد صراعات ناعمة وصعود فاعلين جدد.
الأطلسي والساحل… خرائط نفوذ تتشكل
من الواضح أن الحديث عن الأمن الإقليمي لم يكن عبثيًا، خصوصًا مع تعقّد الأوضاع في الساحل الإفريقي، وتمدد النفوذ الروسي والصيني في مناطق ظلت تقليديًا تحت تأثير الغرب. وهنا يبرز المغرب، لا فقط كفاعل محلي، بل كـ”وسيط جيوسياسي” يملك مفاتيح التواصل مع عمق إفريقيا، ويستثمر موقعه الاستراتيجي على الواجهة الأطلسية لتوسيع دائرة تأثيره.
فهل تسعى واشنطن إلى بناء “جبهة ديمقراطية أطلسية” تواجه النفوذ الجديد لخصومها الجيوستراتيجيين؟ وهل ترى في الرباط بوابة آمنة لمراقبة التحولات الأمنية والاقتصادية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل؟
الشراكة المغربية الأمريكية: أمن جماعي برؤية جديدة؟
في تصريحه، لم يتردد النائب الأمريكي روني جاكسون في وصف المغرب بـ”الشريك الموثوق والفاعل الأساسي” في استقرار القارة. هذا الاعتراف، القادم من عضو بلجنتين مركزيتين في الكونغرس، يُعيد التأكيد على المكانة المتقدمة التي أصبح يحتلها المغرب في نظر صانعي القرار الأمريكي. لكنه أيضاً يُحيلنا على سؤال مركزي: ما الذي يجعل الرباط تحتل هذه المكانة؟ أهو تحوّل في العقيدة الأمنية المغربية؟ أم نضج في الأداء الدبلوماسي الذي بات يُترجم إلى حضور مؤسسي فعّال في المحافل الدولية؟
من الدبلوماسية الرسمية إلى دبلوماسية البرلمانات
اللقاء، الذي جمع رئيس مجلس النواب المغربي بنظرائه الأمريكيين، يدخل ضمن ما يمكن تسميته بـ”دبلوماسية البرلمانات”، وهي أداة غير تقليدية باتت تلعب دورًا متعاظمًا في بناء الثقة، وتحقيق توازنات دبلوماسية ناعمة لا تقل أهمية عن القرارات التنفيذية. والسؤال هنا: هل يُمكن للبرلمان المغربي أن يتحول إلى قوة ضغط ناعمة في مواجهة التحديات الإقليمية، كقضية الصحراء، أو في ملفات التعاون العسكري، والطاقة، والانتقال الرقمي؟
قراءة هادئة لانتصار استراتيجي
وراء الكلمات الدبلوماسية والتصريحات المجاملة، هناك إشارات على أن المغرب يُرسّخ موقعه كقوة إقليمية رزينة تُراهن عليها واشنطن في إعادة ترتيب الأولويات بالمنطقة. فهل يُعَدّ هذا اللقاء مقدمة لمرحلة جديدة في العلاقات المغربية الأمريكية، تكون فيها الرباط شريكاً لا تابعاً؟ وهل تعكس هذه الزيارات المتتالية لمسؤولين أمريكيين رغبة حقيقية في توسيع التحالف مع المغرب، بعيدًا عن منطق “التوظيف الظرفي”؟
الخلاصة:
اللقاء الذي جرى بالرباط يتجاوز مجرّد مجاملة دبلوماسية، ليشكّل لبنة جديدة في صرح شراكة استراتيجية تتسع، تتعمق، وتكتسب ملامح أكثر وضوحاً في عالم يعيد رسم خرائط النفوذ والتحالفات. يبقى السؤال المفتوح: هل سيستثمر المغرب هذا الزخم لتحصين مكاسبه في ملف الصحراء، وتعزيز دوره الإقليمي، أم أن التحديات القادمة ستتطلب هندسة جديدة للتحالفات؟