ذات صلة

أحدث المقالات

اليماحي يرحب بمبادرة بوتين لعقد قمة عربية – روسية على مستوى رؤساء الدول

التقى محمد بن أحمد اليماحي، رئيس البرلمان العربي، مع...

مسيرة مراكش تفضح “الاعتراف الملغوم” بالأمازيغية: من التعليم إلى الزلزال… معاناة لا تنتهي

مسيرة مراكش تفضح "الاعتراف الملغوم" بالأمازيغية: من التعليم إلى...

المغرب وفرنسا وجهاً لوجه أمام ثلاثية الهجرة، المخدرات والجريمة المنظمة: شراكة أمنية أم اختبار مصالح؟

وسط تقاطعات المصالح والهواجس المشتركة، حط وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو الرحال في الرباط، في زيارة رسمية تعيد رسم معالم العلاقة المغربية–الفرنسية، لا سيما في ملف الهجرة غير النظامية، والجريمة المنظمة، والاتجار بالمخدرات. لكن، ما الذي تخفيه هذه الزيارة خلف العناوين الدبلوماسية الهادئة؟ وما الذي يدفع باريس للارتماء مجددًا في أحضان الرباط بعد سنوات من التوتر؟

الهجرة.. من ملف خلافي إلى ورقة تعاون؟

خلال لقائه مع نظيره المغربي عبد الوافي لفتيت، أعلن روتايو عن تشكيل مجموعة عمل مشتركة للتحقق من جنسية المهاجرين غير النظاميين الذين ترغب فرنسا في ترحيلهم، وهي خطوة تحمل أبعادًا سياسية وأمنية في آنٍ واحد. فهل نحن بصدد تفعيل عملي لاتفاق ظل حبيس الملفات منذ سنوات؟

فرنسا، التي تعاني من تصاعد الخطاب اليميني حول الهجرة، تبدو بحاجة إلى شريك قوي على الضفة الأخرى من المتوسط لضبط الحدود وترحيل المخالفين، والمغرب بدوره مستعد – في ظل الاعتراف الفرنسي الأخير بمغربية الصحراء – لإعادة بناء الثقة بشروط جديدة.

لكن، هل يكفي تشكيل فرق مشتركة للتحقق من الجنسية لتسهيل إجراءات الترحيل؟ وماذا عن كرامة الأفراد وحقوقهم القانونية؟ هل ستأخذ الاتفاقيات الثنائية بعين الاعتبار البعد الإنساني؟

ما وراء التعاون الأمني: المغرب شريك لا غنى عنه؟

لا تخفي باريس إعجابها المتزايد بـ”الخبرة الأمنية المغربية”، وهو ما يترجمه رهانها المتجدد على الرباط كحليف استراتيجي في ملفات الإرهاب وتفكيك شبكات الجريمة العابرة للحدود. فهل تعترف فرنسا ضمنيًا بأنها فقدت جزءًا من نفوذها التقليدي لصالح شراكات أكثر براغماتية بنتها الرباط مع واشنطن ومدريد وروما؟

يشير إعلان روتايو عن رغبته في “مضاعفة فعالية الترحيل”، إلى أن فرنسا تدفع نحو شراكة أكثر واقعية، تتجاوز الخلافات السابقة المرتبطة بعدم إصدار الرباط تصاريح قنصلية كافية. فهل نحن أمام نهاية مرحلة العقاب الدبلوماسي (تخفيض التأشيرات مثلاً) وبداية مرحلة البراغماتية؟

توقيت الزيارة.. صدفة أم رسالة؟

تأتي زيارة روتايو في ظل تقارب دبلوماسي متسارع، بعد زيارة الرئيس ماكرون الأخيرة وإعلانه عن “شراكة معززة” مع المغرب، ومباشرةً بعد توقيع إعلان مشترك لمكافحة الإرهاب بين وزيري العدل في البلدين. هذا التراكم لا يبدو صدفة، بل يشير إلى هندسة جديدة للعلاقات الثنائية، تُبنى على الثقة المتبادلة والرهانات الأمنية المشتركة.

لكن، هل ستنعكس هذه الدينامية على ملفات أخرى ظلت عالقة، كالتعاون الاقتصادي، أو إعادة بناء صورة فرنسا لدى الرأي العام المغربي الذي ما زال يتذكر خفض التأشيرات والمواقف المتذبذبة من قضية الصحراء؟

المغرب.. نموذج استقرار وسط محيط مضطرب؟

لا يمكن فهم اندفاع فرنسا نحو المغرب دون التوقف عند مؤشر الإرهاب العالمي 2024، والذي وضع المملكة في صدارة الدول الأكثر أمانًا في المنطقة. فهل أصبح المغرب فعلاً واحة أمن وسط صحراء الاضطرابات؟ وما الدور الذي يمكن أن يلعبه في حماية أوروبا من تهديدات تمتد من الساحل إلى المتوسّط؟

إن ما يتراكم اليوم ليس فقط تعاونًا أمنيًا ظرفيًا، بل نموذجًا جديدًا لعلاقة توازن لا تخضع للهيمنة التقليدية، بل ترتكز على الندية والمصالح المشتركة.

خلاصات مفتوحة على الأسئلة

زيارة روتايو ليست حدثًا بروتوكوليًا فقط، بل اختبارًا حقيقيًا لقدرة باريس والرباط على تدبير الملفات الخلافية بعقلانية. ومع تشكيل أولى لجان العمل المشتركة، يبقى السؤال الأهم:

هل ستُترجم النوايا الحسنة إلى خطوات ملموسة تعيد بناء الثقة وترسخ شراكة نموذجية جنوب–شمال؟ أم أن الحسابات السياسية في باريس قد تعرقل مرة أخرى قطار التعاون في لحظة حاسمة؟

spot_imgspot_img