ذات صلة

أحدث المقالات

بين “الأسف” و”الإنكار”: الجزائر تعجز عن استيعاب التحول البريطاني نحو مغربية الصحراء

لندن تدعم الحكم الذاتي... والجزائر في متاهة التناقضات: هل...

الجمعية العامة لموئل الأمم المتحدة تفتتح دورتها الثانية المستأنفة بدعوة عاجلة للعمل

افتتحت الدورة الثانية المستأنفة للجمعية العامة لموئل الأمم المتحدة...

أزمة السكن العالمية: حالة طوارئ تتطلب إجراءً جريئًا

مقال رأي بقلم: كلاوديا روزباخ - وكيلة الأمين العام...

المغرب وكينيا: هل نحن أمام تحوّل إفريقي يتجاوز الانتصار الدبلوماسي؟

قراءة في مقال عزيز رباح حول الشراكة المغربية الكينية

في مقاله الأخير، اختار الوزير الأسبق عزيز رباح أن يسلط الضوء على ما اعتبره “انتصارًا دبلوماسيًا مغربيًا” تمثّل في دعم كينيا الصريح لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، وافتتاح سفارة لها في الرباط. لكنه لم يقدّم فقط توصيفًا لحدث دبلوماسي، بل وضعه ضمن إطار إستراتيجي أوسع، يُعيد تشكيل ملامح العلاقة بين المغرب وإفريقيا.

ومن خلال قراءة تحليلية لهذا النص، يظهر أن رباح، وإن لم يقلها صراحة، يلمّح إلى أن المغرب لا يربح فقط موقفًا من دولة محورية شرق القارة، بل يربح موقعًا جديدًا في هندسة التوازنات الإفريقية، من خلال مقاربة تقوم على الهدوء، العمق، والبناء المتدرج بدل الاصطفاف والمواجهة.

كينيا… هل هي بداية أم محطة في مسار طويل؟

حين يشير رباح إلى أن كينيا “ظلت مستعصية عن الاستيعاب لعقود”، فهو يقر ضمنًا بأن الرهان لم يكن سهلًا، وأن المغرب راهن على الصبر الدبلوماسي البعيد المدى.

لكن، ماذا يعني أن تتحوّل كينيا من داعم للانفصال إلى شريك في مشروع الحكم الذاتي؟ وهل الأمر ناتج فقط عن تغيير القيادة السياسية في نيروبي، أم أن هناك تحولًا في وعي إفريقيا بطبيعة النزاع المفتعل في الصحراء، باعتباره جزءًا من معركة أكبر تتجاوز الحدود الترابية نحو الصراع على وحدة القارة وهويتها واستقلال قرارها؟

قراءة في البيان الكيني… إشارات تتجاوز المجاملة الدبلوماسية

يبدو واضحًا أن البيان المشترك المغربي الكيني لم يكن تقليديًا. فحين تقول نيروبي إن الحكم الذاتي هو “المقاربة الوحيدة المستدامة”، وتعلن نيتها التعاون مع من يتقاسم هذا الطرح، فهي لا تكتفي باعتراف صامت، بل تُعلن الانضمام الصريح إلى الرؤية المغربية، مما يفتح الباب لتكتلات دبلوماسية إفريقية جديدة قد تُربك حسابات خصوم الوحدة الترابية.

فهل نحن أمام لحظة تؤسس لتكتل إفريقي داعم للمغرب؟ وهل تتحول الدبلوماسية الملكية من منطق الدفاع إلى منطق المبادرة والتموقع كقوة ناعمة ذات مشروع قارّي؟

من انتصار الدبلوماسية إلى تحصين الداخل

رباح، في نهاية مقاله، لا يغفل البعد الداخلي. وهو حين يتحدث عن “جبهة داخلية قوية ومتلاحمة” فإنه يشير – ولو دون تصريح مباشر – إلى أن الرهان الخارجي يبقى هشًا إذا لم يكن مسنودًا بجبهة داخلية صامدة، قادرة على مواجهة حملات التشويش والتقويض، سواء من الداخل أو من الخارج.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل تواكب الجبهة الداخلية هذا النفس الاستراتيجي للدبلوماسية المغربية؟ وهل نملك اليوم ما يكفي من الإعلام، والنخب، والسياسات العمومية لتحويل هذه الانتصارات إلى رأسمال وطني مستدام، بدل الاكتفاء بالاحتفال المؤقت بها؟

ما وراء السطور: المغرب يقترح “مشروعًا قارّيًا” لا مجرد موقف

إذا كان رباح قد أشار إلى أن المغرب لا يشتغل فقط على الصحراء، بل على نموذج تنموي قارّي، فإن السؤال الأعمق هو:
هل يتحوّل المغرب إلى فاعل مركزي في صياغة مشروع إفريقي بديل؟ مشروع يتجاوز منطق المساعدات والمؤتمرات، نحو تعاون قائم على الشراكة الندية، واحترام السيادة، وربط التنمية بالاستقرار.

وإذا كان هذا هو الطموح، فهل إفريقيا مستعدة فعلاً لقيادة من نوع جديد؟ وهل تجاوزت مرحلة “الاستقطاب الإيديولوجي” التي غذّت مشاريع الانفصال والانقسام؟

خلاصة

مقال الوزير الأسبق عزيز رباح ليس مجرد توثيق لحظة دبلوماسية ناجحة، بل يحمل في طياته تصورًا لمستقبل العلاقة بين المغرب وإفريقيا.

وفي قراءتنا له، نرى أن المغرب لا يربح فقط مواقف، بل يعيد تشكيل موقعه الاستراتيجي في إفريقيا، كقوة استقرار وشريك تنموي واعٍ بتحديات القارة، ومُصمِّم على أن يكون جزءًا من معادلتها لا هامشها.

لكن النجاح الخارجي يحتاج دومًا إلى تأمين داخلي: سياسيًا، إعلاميًا، ومجتمعيًا.

فهل نُدرك جميعًا أن المعركة من أجل إفريقيا ليست فقط في المحافل، بل أيضًا في منصات الخطاب، ومدارس الوعي، وفضاءات التماسك الداخلي؟

spot_imgspot_img