ذات صلة

أحدث المقالات

مصر تستضيف لأول مرة حفل The Grand Ball الملكي العالمي بقصر عابدين

في سابقة هي الأولى من نوعها، استضافت مصر، ولأول...

بين الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسيات الموازية… قراءة في خطاب محمد أوجار

جاء حضور الوزير الأسبق محمد أوجار في برنامج «حديث...

بين الإهمال الرسمي والوفاء الصادق: مغاربة فلوريدا يصنعون «مسيرة خضراء» بالروح قبل المال

في وقت تتنامى فيه الشعارات حول دعم العمل الثقافي للمغاربة بالخارج، يظهر الفارق بين الكلام والفعل. بينما تعلن بعض التمثيليات الدبلوماسية أن دعم الجالية بات أولوية، إلا أن الواقع مغاير في كثير من الحالات؛ إذ تختار بعض القنصليات أن تكتفي بالدور العرضي، مثل التواجد في الصور أو البروتوكولات، متجاهلة مبادرات فعلية تجسد ولاء الوطن والانتماء الحقيقي.

الحضور الجمعوي للمغاربة في الخارج: أرقام ومؤسسات

  • تُقدَّر أُسر الجالية المغربية بالخارج بأنّها تصل إلى حوالي 5 ملايين مغربي يعيشون في أكثر من 100 دولة حول العالم، بحسب تحليل نشْرته إحدى الدراسات الأكاديمية حول سياسة الهجرة المغربية.

  • من الناحية المؤسّسية، أسّس المغرب عدداً من الهيئات المختصّة بمغاربة المهجر، منها المجلس الاستشاري للجالية المغربية بالخارج (CCME) الذي أُحدث عام 2007 بظهير، ويُكلّف بمراقبة السياسات العمومية تجاه المغاربة بالخارج وتقوية العلاقات بين المغرب ومغاربة المهجر. CCME+1

  • بالإضافة إلى ذلك، تم إطلاق استراتيجية وطنية لمغاربة العالم (SN MRE) في 2014، تُركّز على ثلاثة محاور رئيسية: الحفاظ على الهوية، وحماية الحقوق، وتشجيع مساهمة المغاربة بالخارج في التنمية. SpringerLink

  • هناك أيضاً مشاريع تنموية تستهدف diaspora المغربية في أوروبا، مثل مشروع Gesellschaft für Internationale Zusammenarbeit (GIZ) الذي يدعم انخراط المغاربة في الخارج اقتصادياً وثقافياً، ولا يقتصر على التشجيع فحسب، بل أيضاً تأسيس البنى والمؤسسات. GIZ

هذه الإشارات تُظهر أن الإطار القانوني والمؤسساتي لدعم مغاربة الخارج موجود، لكن الترجمة العملية تختلف من حالة إلى أخرى.

حفل «جمعية أندلسي فلوريدا» ونموذجه في العمل الجمعوي

على أرض الواقع، في ولاية فلوريدا، نظّمت الجمعية احتفالاً بمناسبة المسيرة الخضراء، وقدّمّوا بجهودهم الذاتية فعالية متميزة رغم غياب الدعم الكافي من التمثيليات الرسمية.

شارك فيها فنانون ومُساهمون: محمد منصوري إدريسي وصفوان إدريسي منصوري وعادل الكندي وعبد الرحيم السملالي وفهد منصوري ونادية الطالحي وسهام إدريسي ولبنى، وما قلّ أعدادهم من مساهمين، الذين بعزيمتهم جعلوا الحضور يعيش أجواءً مغربية أصيلة، تجمع بين الفن الأندلسي والهوية الوطنية.

ما يميّز هذا النموذج:

  • الاعتماد على الذات: تمّ التنظيم دون تمويل كبير أو إشراف مباشر من الجهات الرسمية المغربية بالخارج.

  • التركيز على الهوية والانتماء: لم يكن مجرد عرض فني، بل استحضارٌ لقضيّة الصحراء المغربية وللصلة بين الجالية والوطن الأم.

  • تفعيل الجالية كمحور وليس كمتلٍّ: جعل المواطن المغربي في الخارج ليس فقط مستقبلاً للدعم، بل فاعلاً ومنظّماً.

نقد واقعيّ لآلية الدعم الرسمي ومواقع الخلل

رغم وجود الأُطر والمسارات الرسمية التي تُفترض أن تدعم العمل الجمعوي للمهجر، توجد فعلياً فجوات عدة:

  • عدم تجانس التوزيع والمعاملة: يبدو أن الجمعيات داخل الوطن غالباً ما تحظى بتسهيلات أو دعم يُسهّل نشاطها، بينما الجمعيات بالخارج تواجه صعوبات في التمويل أو التأطير الرسمي، وهو ما يُطرح في هذا المثال.

  • نقص الشفافية أو المعلومات: رغم وجود مؤسسات مثل CCME، إلا أن كثيراً من الجمعيات في المهجر تشكو قلة المعلومات أو وضوح المسارات المطلوبة للحصول على دعم أو شراكة.

  • غياب التملك والإشراك الحقيقي: حين تُطرح شعارات «دعم الجالية» غالبًا ما تكون على المستوى التصريحي، بينما في الواقع تحتاج الجمعيات إلى شراكة حقيقية، موارد، إطار قانوني واضح، وتقييم للأثر.

  • محددات الهوية والقضيّة الوطنية: في حالة الحفل المذكور، ارتبط الاحتفال بـ«المسيرة الخضراء» وقضية الصحراء، مما يعني أن الجالية تُقدّم ليس فقط نشاطاً ثقافياً، بل تأكيداً على وحدة الوطن، وهي رسالة تحتاج لاحتضان رسمي لا يقلّ عن التظاهرات داخل المغرب.

لماذا قضية الصحراء هنا؟ ولماذا المسيرة الخضراء شعار؟

إن المسيرة الخضراء ليست مجرد ذكرى تاريخية بل رمز يتجاوز الزمان والمكان: تمثّل التزام المغاربة بـUNITé الوطنية ولحظة توحيد التراب الوطني. هذا الرمز يصبح أكثر قوة حين يُستحضر خارج الوطن، في أرض المهجر، حيث تتحوّل الجالية إلى سفيرة للهوية والثقافة، وتتذكّر دورها في دعم الوحدة الوطنية. ومن هذا المنطلق، أتى الحفل في فلوريدا كمساهمة ذات دلالة رمزية — ليس مجرد احتفال محلي، بل تذكير بأن الوطنية لا تتوقّف عند الحدود الجغرافية، وأن مغاربة المهجر مشاركون في التأكيد على قضيّتهم الوطنية الكبرى.

التوصيات: نحو تعاون أكثر فعالية ومسؤولية

بناء على ما سبق، يمكن اقتراح عدة توصيات لتعزيز واقع الدعم والعمل الجمعوي للجالية المغربية في الخارج:

  • تبسيط مسارات الوصول إلى الدعم للجمعيات المغربية بالخارج، مع دليل موجه باللغة المناسبة يوضّح الشروط، المراحل، وطريقة التقييم.

  • تخصيص آلية مالية أو صندوق خاص بمبادرات الجالية المغربية بالخارج، يعامل بشكل موازٍ للجمعيات داخل الوطن، مع شفافية في التخصيص والمتابعة.

  • تعزيز دور مؤسسات مثل CCME في التّواصل المباشر مع الجمعيات بالخارج، ليس فقط كمراقب، بل كميسّر للتمويل، التدريب، والشراكة.

  • إدماج أنشطة الجالية في الخارج ضمن «خطة وطنية للدعم الثقافي للجالية»، وليس فقط على مستوى الدعم التمويني، بل أطر شراكة استراتيجية طويلة الأمد.

  • تعزيز البعد الرمزي للقضايا الوطنية مثل المسيرة الخضراء، وجعل فعاليات الجالية بالخارج مناسبة لتعزيز الانتماء، الربط الثقافي، والمساهمة في نقل التراث والهوية.

خلاصة

حفل جمعية أندلسي فلوريدا ليس مجرد فعالية محلية خارج الوطن، بل نموذج يُذكّر بأن الجالية المغربية في الخارج لا تنتظر الدعم فحسب، بل تعمل، تبادر وتُثبت أن الوطنية الحقيقية تُبنى بالعمل والوفاء قبل المال.

إلى جانب ذلك، يوضّح التجربة أن البنية المؤسساتية موجودة — لكن التطبيق العملي يحتاج إلى شراكة أوثق، واهتمام فعلي من الجهات الرسمية. حينذاك، يصبح دعم الجالية ليس امتناعاً عن الوقوف على مقاعد المتفرج، بل مشاركة فاعلة في صنع المسيرة الخضراء للهوية والوطن في أبهى صورها.

spot_imgspot_img