ذات صلة

أحدث المقالات

بين “الأسف” و”الإنكار”: الجزائر تعجز عن استيعاب التحول البريطاني نحو مغربية الصحراء

لندن تدعم الحكم الذاتي... والجزائر في متاهة التناقضات: هل...

الجمعية العامة لموئل الأمم المتحدة تفتتح دورتها الثانية المستأنفة بدعوة عاجلة للعمل

افتتحت الدورة الثانية المستأنفة للجمعية العامة لموئل الأمم المتحدة...

أزمة السكن العالمية: حالة طوارئ تتطلب إجراءً جريئًا

مقال رأي بقلم: كلاوديا روزباخ - وكيلة الأمين العام...

“بين الرباط ودار السلام: هل تفتح الطاقة المتجددة فصلاً جديداً في شراكة مغرب-تنزانيا؟”

في لحظة تحمل دلالات استراتيجية، استقبلت العاصمة المغربية الرباط، يوم 14 ماي 2025، دوتو ماشاكا بيتكو، نائب الوزير الأول ووزير الطاقة التنزاني، في زيارة رسمية تقود وفدًا رفيعًا من بلاده، في إطار تعاون ثنائي آخذ في التوسع ضمن رؤية مغربية لإفريقيا كمجال حيوي لمشاريع الطاقة والربط جنوب-جنوب.

اللقاء مع الوزيرة ليلى بنعلي، المسؤولة عن ملفات الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، لم يكن عابرًا في رمزيته ولا في محتواه؛ بل جاء ليعيد طرح أسئلة جوهرية حول طبيعة الشراكة المغربية-الإفريقية في مجال الطاقة، وحول رهانات المغرب القارية في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيواستراتيجية غير مسبوقة.

الطاقة كبوابة مغربية إلى العمق الإفريقي: ما الجديد؟

من خلال تأكيد الوزيرة بنعلي على التزام المغرب بمواكبة تنزانيا في مسار انتقالها الطاقي، تعود إلى الواجهة سياسة المغرب الهادفة إلى تحويل تجربته في الطاقات المتجددة إلى “رأسمال دبلوماسي”، تسوقه عبر خبرة في النجاعة الطاقية، والكهربة القروية، وحلول التخزين، خاصة بعد تجربة زلزال الحوز التي أبرزت مدى مرونة منظومته الطاقية.

لكن السؤال الجوهري هو: هل تمتلك تنزانيا البنية المؤسساتية والفنية التي تسمح بترجمة هذا التعاون إلى مشاريع ملموسة؟ أم أن هناك فجوة بين الطموح والخبرة من جهة، والواقع التنزاني من جهة أخرى؟

زيارة تحمل ظلال “إعلان دار السلام”… هل من تنفيذ؟

ما يلفت الانتباه في تصريحات الجانب التنزاني هو تذكيره بالزيارة التاريخية لجلالة الملك محمد السادس إلى دار السلام سنة 2016، واعتبارها نقطة تحول في مسار العلاقات. غير أن الحديث عن “تفعيل الاتفاقيات” يفتح باب التساؤل:

  • ما هي الاتفاقيات التي لم تُفعل بعد؟

  • ما العراقيل التي واجهتها؟

  • وهل يعكس هذا الواقع ضعفًا في آليات المتابعة أو تباينًا في الأولويات الاقتصادية؟

يبدو أن هناك حاجة إلى مأسسة أكبر للعلاقة، مع ربطها بأهداف محددة وقابلة للتقييم، حتى لا تبقى هذه اللقاءات مجرّد شعارات دبلوماسية.

نحو شراكات ابتكارية: هل يغيّر القطاع الخاص قواعد اللعبة؟

إشارة الوفد التنزاني إلى أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص تمثل تحوّلًا نوعيًا، خاصة إذا تم تأطيرها في إطار تعاقدي واضح يضمن جدوى الاستثمار ونقل التكنولوجيا.

وهنا يظهر دور المغرب كمُحفّز لنموذج إفريقي متكامل للتنمية الطاقية. فالمملكة لا تكتفي بالعرض التقني، بل تسعى إلى تقديم نموذج للحكامة الطاقية، يعتمد على التخطيط طويل المدى، والانفتاح على رأس المال الخاص، مع تأمين العدالة المجالية (كهربة القرى بنسبة 99.9٪ مثالًا).

لكن مرة أخرى، يفرض السؤال نفسه: هل المغرب مستعد لتقاسم التكنولوجيا والخبرة بشروط ميسّرة؟ أم أن مخاوف المنافسة والربحية ستضع سقفًا لهذا التعاون جنوب-جنوب؟

السياق الأوسع: إفريقيا بين صراع القوى الكبرى وبدائل الجنوب

لا يمكن فهم هذا اللقاء خارج السياق الإقليمي والدولي، إذ أصبحت إفريقيا اليوم ساحة منافسة بين القوى التقليدية (أوروبا، الصين، روسيا، أمريكا)، التي تبحث عن مواقع نفوذ من بوابة المعادن، الطاقة، والبنى التحتية.

في هذا السياق، يبرز المغرب كلاعب إفريقي من داخل القارة، يقدم بديلاً عن الوصفات الجاهزة والمصالح الضيقة، وهو ما يمنحه رصيدًا سياسيًا وميدانيًا في بلدان مثل تنزانيا، التي تبحث عن نماذج غير تبعية.

خلاصة أولية: هل نحن أمام شراكة استراتيجية أم مجرد تعاون تقني؟

ما لم تُفعَّل الاتفاقيات السابقة، وما لم تُحدّد خريطة طريق واضحة بالتزامات متبادلة، فإن الخطر يكمن في أن تظل هذه اللقاءات داخل دائرة “الدبلوماسية النوايا الحسنة”، بدل أن تصبح أدوات واقعية لتسريع التحول الطاقي في القارة.

ويبقى السؤال المركزي: هل يستطيع المغرب فعلاً أن يقود تحالفًا إفريقيًا للانتقال الطاقي يكون مستقلًا عن الأجندات الخارجية، ويجعل من الطاقة أداة سيادة وتكامل إقليمي؟

spot_imgspot_img