ذات صلة

أحدث المقالات

غوتيريش: منتدى أسوان مساحة حيوية لتعزيز الشراكات وتعزيز السلام

أشاد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، بمصر لاستضافتها...

ساركوزي خلف القضبان: نهاية الرمز أم بداية سؤال عن العدالة؟

في صباح الثلاثاء المقبل، سيشهد التاريخ الفرنسي حدثًا لم...

رسالة الأمين العام للأمم المتحدة بمناسبة يوم الأغذية العالمي

فيما يلي نص رسالة أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم...

توجيهات سامية لجلالة الملك محمد السادس في مجلس وزاري بالقصر الملكي العامر بالعصمة بالعاصمة الرباط: قراءة تحليلية لمشروع قانون المالية 2026

مجلس وزاري استثنائي بين التحديات الاقتصادية والرهانات الاجتماعية: قراءة تحليلية في مشروع قانون المالية 2026

يوم الأحد 19 أكتوبر 2025، لم يكن مجرد يوم عادي في القصر الملكي العامر بالعاصمة الرباط؛ بل كان محطة تأمل في مسار الدولة، في كيفية تفاعل السلطات العليا مع تحديات الاقتصاد والمجتمع والسياسة في آن واحد. تحت إشراف جلالة الملك محمد السادس، انعقد مجلس وزاري خصص لمناقشة التوجهات العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2026، مجموعة من مشاريع القوانين التنظيمية، مرسومين عسكريين، وعدد من الاتفاقيات الدولية والتعيينات العليا.

وفي قلب هذا الاجتماع، لم يكن العرض المقدم من وزيرة الاقتصاد والمالية مجرد أرقام وإحصائيات، بل كان قراءة استشرافية لمسار الاقتصاد الوطني في ظل عالم يغلبه اللايقين: نمو متوقع بـ 4.8%، تضخم محدود عند 1.1%، وعجز ميزانية مضبوطة عند 3.5% من الناتج الداخلي الخام. هذه المؤشرات ليست مجرد نجاح تقني، بل تعكس قدرة المغرب على الموازنة بين الدينامية الإنتاجية الداخلية وضرورة التحكم في المتغيرات الخارجية. لكن السؤال المطروح: هل هذه الأرقام قادرة على استيعاب الصدمات القادمة، أم أن الدولة تتحرك على حافة التوازن الهش؟

أولويات مشروع القانون: بين الاقتصاد الوطني والعدالة المجالية
يستند المشروع على أربع أولويات كبرى، الأولى منها توطيد المكتسبات الاقتصادية وتعزيز مكانة المغرب ضمن الدول الصاعدة. التركيز على تحفيز الاستثمار الخاص، الهيدروجين الأخضر، ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، يضع رهانات التشغيل والعدالة المجالية في قلب المشهد الاقتصادي. السؤال الجوهري هنا: هل الاستثمار والبرامج الداعمة للشباب والنساء قادران على إعادة رسم خريطة التشغيل في المناطق الهشة، أم أن الفجوات المجالية ستظل تحديًا مستمرًا؟

الثانية تتعلق بالجيل الجديد من برامج التنمية المجالية المندمجة، التي تهدف إلى ترصيد الخصوصيات المحلية وتعزيز الجهوية المتقدمة. المبادرة تضع الإنسان في مركز التنمية، لكن هل يمكن لمشاريع ضخمة كهذه أن تحقق فعلاً التوازن بين المناطق الغنية والمهمشة؟ وهل سيجد المواطن العادي أثر هذه السياسات على أرض الواقع؟

ثالثاً، الدولة الاجتماعية: الحماية، الدعم، والشمول
مواصلة ورش تعميم الحماية الاجتماعية، ودعم الأسر بملايين الدراهم، يعكس رؤية ملكية سامية نحو الدولة الاجتماعية. لكن هنا أيضاً يبرز السؤال: هل هذه الإجراءات كافية لتجاوز التفاوتات الاجتماعية العميقة، أم أنها بداية طريق طويل يحتاج لإعادة تفكير مستمرة في فاعلية البرامج الاجتماعية؟

رابعاً، الإصلاحات الهيكلية: نحو حكم رشيد وشفافية مالية
الإصلاحات المتعلقة بالقانون التنظيمي لقانون المالية، وإعادة هيكلة المؤسسات والمقاولات العمومية، تمثل محاولة لإرساء نموذج جديد للحوكمة. لكن التحدي يبقى في التنفيذ: كيف يمكن تحقيق النتائج المنشودة في واقع إداري واقتصادي لا يخلو من العراقيل؟

القوانين التنظيمية والمرسومين العسكريين: بناء الدولة من الداخل
مشاريع القوانين المتعلقة بمجلس النواب والأحزاب السياسية تعكس إرادة لتعزيز الشفافية، تشجيع الشباب والنساء، وتحصين المؤسسات. أما المرسومان العسكريان، فيسعيان لضمان كفاءة الأجهزة الدفاعية وتحديث منظومة الصحة العسكرية، مما يطرح سؤالاً جوهرياً: هل تستطيع هذه الإصلاحات المؤسسية الكبرى أن تتحول إلى واقع ملموس على الأرض بسرعة تكفي لمواكبة ديناميات المجتمع والاقتصاد؟

التعيينات والاتفاقيات الدولية: إشارات على الاستمرارية والتموضع الاستراتيجي
التعيينات الجديدة للولاة والعمال ورئيس الهيئة المغربية لسوق الرساميل، جنبًا إلى جنب مع المصادقة على اتفاقيات دولية، تعكس حرص الدولة على ربط الإصلاحات الداخلية بالتموضع الاستراتيجي الخارجي. لكن هل هذه التحركات كافية لتعزيز ثقة المواطن والمستثمر على حد سواء؟ وهل يمكن للمغرب أن يحول هذه السياسات إلى أدوات للتنمية المستدامة الحقيقية؟

في نهاية المطاف، يطرح هذا المجلس الوزاري أكثر من مجرد استعراض للأرقام والمراسيم؛ إنه لحظة للتأمل في التوازن بين التوجيه الملكي السامي، آليات الدولة، وتطلعات المواطنين. بين الأوراق الرسمية والإحصاءات، وبين الأرقام والإنسان، يظل السؤال مفتوحًا: هل هذا المشروع المالي لعام 2026 سيكون نقطة تحول حقيقية في مسار التنمية الوطنية، أم مجرد إطار تنظيمي يواجه اختبار الواقع المعقد؟

spot_imgspot_img