ذات صلة

أحدث المقالات

خريطة المغرب الكاملة في قلب جنوب إفريقيا: رمزية دبلوماسية أم مؤشر على تحوّل استراتيجي؟

في لحظة تحمل أبعادًا رمزية واستراتيجية، ظهرت خريطة المغرب...

مشروع قانون أمريكي لتصنيف البوليساريو منظمة إرهابية: تحوّل تشريعي أم ورقة ضغط استراتيجي؟

في مشهد يعكس تزايد التداخل بين الدينامية التشريعية الأمريكية...

الأمم المتحدة تشيد بخطة الاستجابة للاجئين في مصر

أشادت المُنسقة المُقيمة للأمم المتحدة في مصر، إلينا بانوفا،...

الوضع الإقليمي يضغط على الموارد.. مصر والأمم المتحدة تطلقان خطة الاستجابة للاجئين

أطلقت وزارة الخارجية والهجرة المصرية، بالتعاون مع المفوضية السامية...

من حرب الوثائق المفبركة إلى ارتباك الخصوم: هل بات المغرب رقماً صعباً في معادلات الإقليم؟

قراءة في خلفيات الهجمة الإعلامية على المغرب والسياق الجيوسياسي...

خريطة المغرب الكاملة في قلب جنوب إفريقيا: رمزية دبلوماسية أم مؤشر على تحوّل استراتيجي؟

في لحظة تحمل أبعادًا رمزية واستراتيجية، ظهرت خريطة المغرب كاملة، شاملة لأقاليمه الجنوبية، مرفوقة بالعلم الوطني، على الشاشة الكبرى خلال مؤتمر الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة لدول مجموعة العشرين، الذي احتضنته جوهانسبورغ يومي 24 و25 يونيو الجاري. المناسبة كانت كلمة ألقتها زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، في واحدة من أقوى الرسائل غير المباشرة التي تُوجه من داخل التراب الجنوب إفريقي، الذي كان يُعد، حتى وقت قريب، أحد أبرز معاقل الدعم لجبهة البوليساريو.

الرسائل بين السطور:

هذا الظهور العلني والرّسمي للخريطة الكاملة داخل بلدٍ ظل لفترة طويلة خصمًا دبلوماسيًا لمصالح المغرب، يفتح الباب أمام عدة قراءات:

  • هل نحن أمام تحول رمزي فقط، أم بداية لتفكك جبهة الدعم التقليدي للطرح الانفصالي داخل القارة؟

  • هل تعكس هذه الخطوة نوعًا من الليونة المتنامية في موقف جنوب إفريقيا الرسمي، أم أن الأمر لا يعدو كونه مجرد استثناء مرتبط بطبيعة اللقاء الدولي؟

ما يضفي على هذه الخطوة مزيدًا من الأهمية هو السياق السياسي المتغير في جنوب إفريقيا، لا سيما بعد إعلان حزب “أومكونتو وي سيزوي” بقيادة الرئيس السابق جاكوب زوما عن دعمه الصريح لمغربية الصحراء وتبنيه لمقترح الحكم الذاتي كحل واقعي ونهائي. خطوةٌ حملت طابعًا غير مسبوق، سياسيا ورمزيا، وجاءت في وثيقة سياسية تحت عنوان لافت: “المغرب وجنوب إفريقيا: شراكة استراتيجية من أجل الوحدة الإفريقية والتحرر الاقتصادي”.

الرسالة المغربية الهادئة: الحضور المؤسساتي بدل الصخب الدبلوماسي

بعيدًا عن أساليب المواجهة التقليدية، اختار المغرب مرة أخرى أن يُمرر رسائله عبر القنوات المؤسساتية الهادئة، معتمدًا على رصيده المتراكم داخل الأجهزة والمنظمات الدولية، وهو ما يظهر جليًا في مشاركة المجلس الأعلى للحسابات للمرة الثالثة تواليًا في هذه القمة الرفيعة المستوى.

في كلمتها، ركزت العدوي على نقاط استراتيجية ترتبط بمنظومة التمويل الدولي وتحديات البنية التحتية في الدول النامية، لكنها لم تفوّت الفرصة دون التذكير برؤية المغرب بقيادة الملك محمد السادس في ربط الإصلاح التنموي بمسارات الحوكمة الجيدة، ضمن مخطط المجلس للفترة 2022-2026، مما يرسّخ حضور المغرب كمصدر للخبرة وليس فقط كطرف مستفيد.

ما وراء اللقاءات الثنائية: ترسيخ شراكات متعددة القارات

إلى جانب الجلسة العامة، أجرت العدوي لقاءات ثنائية مع نظرائها من دول مؤثرة مثل السعودية وروسيا والبرازيل ومصر وتركيا. هذه اللقاءات، وإن بدت بروتوكولية في ظاهرها، إلا أنها تُعبّر عن دينامية مغربية لتعزيز حضورها في دوائر الرقابة المالية والتخطيط الاستراتيجي، وتدعيم شبكة التحالفات المؤسسية مع قوى إقليمية ودولية لها ثقل في القرار الجماعي العالمي.

أفق التحول: من الدفاع إلى التثبيت

إن بروز الخريطة المغربية في مؤتمر دولي بهذا المستوى، وداخل بلد يُعتبر رمزا للموقف النقيض، لا يمكن اعتباره تفصيلاً بروتوكوليًا. بل هو مؤشر على أن المغرب بات يُثبت حضوره، لا عبر الدفاع، بل من خلال التموقع البنّاء داخل آليات العمل الدولي، خاصة تلك المتعلقة بالحكامة والشفافية والتنمية، وهو ما يُعد مدخلًا غير تقليدي للدفاع عن قضاياه المصيرية.

سؤال مفتوح:

هل نشهد ولادة مسار جنوبي-إفريقي جديد يُعيد رسم مواقف دول وازنة داخل القارة من ملف الصحراء؟ وهل ينجح المغرب في تحويل موقعه المؤسساتي الهادئ إلى قوة ناعمة تعيد تشكيل الاصطفافات الجيوسياسية القديمة في إفريقيا؟

ما هو مؤكد اليوم، هو أن الخطاب المغربي، رغم هدوئه، يُسجّل نقاطًا دبلوماسية متتالية، تُراكم الشرعية وتُربك حسابات الخصوم دون ضجيج.

spot_imgspot_img