في مداخلة وُصفت بالقوية خلال المناظرة الوطنية حول “تدبير منازعات الدولة والوقاية منها”، حذّر محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، من خطورة تحوّل مفهوم “المصلحة الإدارية” إلى مبرر للقرارات الخارجة عن الإطار القانوني، مما يكرّس ممارسات تعسفية ويهدد مبدأ الشرعية وسيادة القانون.
هذا التحذير يفتح الباب أمام جملة من الأسئلة حول طبيعة الإدارة العمومية، وحدود سلطتها، وقدرتها على التوفيق بين المصلحة العامة واحترام القانون، وسط مناخ يتسم بتزايد النزاعات بين الدولة والمواطنين.
من “الشرعية” إلى “المزاجية”: الإدارة في مرمى الاتهام
بنعليلو لم يكتف بعرض اختلالات، بل قدّم تشخيصًا لواقع الإدارة العمومية المغربية، حيث أشار إلى أن التعقيد القانوني وغياب التشريعات الواضحة يخلقان “مناطق رمادية”، تُفسح المجال أمام تأويلات متضاربة للقرارات الإدارية، وتنتج عنها مظاهر الغموض والارتباك، بل والانحراف أحيانًا عن روح القانون.
ولعل أخطر ما أشار إليه، هو أن غياب المعلومات الإدارية الكافية، يُفسح المجال لقرارات تتسم بـ”الانتقائية” أو حتى “المزاجية” في بعض الأحيان.
فهل نملك فعلًا مؤسسات قادرة على مراقبة هذه التجاوزات؟ وهل هناك نية سياسية لتقنين آليات اتخاذ القرار الإداري؟
منزلقات السلطة: حين تتحول الإدارة من خادمة للحق إلى مدافعة عن النفس
في تحليله لأسباب تصاعد منازعات الدولة، اعتبر رئيس الهيئة أن الإدارة تركز في كثير من الأحيان على الدفاع عن قراراتها عوض مراجعتها أو تحسينها، مما يؤدي إلى توتر علاقتها مع المواطنين، ويفقدها القدرة على التطوير الذاتي.
وأشار بنعليلو إلى أن هذا التموقع الإداري ينبع من ضعف “الوعي الارتفاقي”، أي الإدراك بأن العلاقة بين المواطن والإدارة يجب أن تقوم على الخدمة والتجاوب، وليس على السلطة وفرض القرار.
→ فهل نحن بصدد بنية إدارية تفتقر إلى ثقافة الاعتراف بالخطأ والتصحيح؟
→ ومن يقيّم جودة الخدمة العمومية ويضمن خضوعها للمساءلة؟
الجمود الإداري: عقبة في وجه الاستثمار وكرامة المواطن
الجمود الإداري الذي تحدّث عنه رئيس الهيئة لا يقتصر على بُطء المساطر أو تأخر المعاملات فحسب، بل يتجلى أيضًا في انعدام المرونة وغياب الابتكار في حل النزاعات، مما يُطيل أمد الخلافات ويُعقد الإجراءات القضائية.
هذا الواقع يُؤثر بشكل مباشر على ثقة المستثمرين، حيث أشار بنعليلو إلى أن منازعات الدولة أصبحت عاملاً طاردًا للاستثمار، بالنظر إلى ما تخلقه من مخاطر قانونية واقتصادية، وما تسببه من تعطيل لمشاريع قائمة أو مرتقبة.
→ لماذا لم يتم حتى اليوم تبني ميثاق وطني للإدارة الذكية لتسريع حل المنازعات الإدارية خارج القضاء؟
→ وهل يعقل أن تستمر الدولة في خسارة الملايير سنويًا بسبب سوء التدبير القانوني والإداري لنزاعاتها؟
هل نحتاج إلى ثورة تشريعية؟
من الحلول التي اقترحها بنعليلو للخروج من هذا الوضع، الدعوة إلى إصلاح تشريعي وتنظيمي شامل يحد من التأويلات الخاطئة، ويُرسّخ وضوحًا قانونيًا في العلاقة بين المواطن والإدارة، مع اعتماد سياسات عمومية تعزز الشفافية.
كما دعا إلى إحداث مرصد وطني لمنازعات الدولة يكون بمثابة منصة تحليل وتوقع واستباق، ترصد تطور المنازعات وتقترح حلولًا منهجية للحد منها.
→ لكن، من يضمن أن يكون هذا المرصد مستقلًا وفعالًا؟
→ وهل يكفي هذا الإجراء لوحده دون إصلاح جذري في ثقافة الإدارة ومناهج التكوين العمومي؟
التدبير الاستباقي: من شعار إلى استراتيجية وطنية؟
أحد أبرز مخرجات كلمة بنعليلو، هو تأكيده على ضرورة الانتقال من منطق التدخل بعد وقوع النزاع إلى منطق الوقاية والمصالحة، وذلك عبر:
-
تحسين أداء الإدارة العمومية.
-
تعزيز الشفافية والمساءلة.
-
اعتماد آليات الوساطة والتحكيم.
-
ترسيخ ثقافة الحوار كمبدأ مؤسساتي.