يختتم اليوم إيمانويل ماكرون زيارته للجزائر التي استغرقت ثلاثة أيام، والتي رافقه فيها وفد يتألف من 90 شخصية من بينهم 7 وزراء، وهو عدد قياسي لم يسبق لأي رئيس فرنسي أن رافقه مثل هذا العدد خلال زيارة رسمية. إذ قلة قليلة من الوزراء والشخصيات هي التي جلست إلى طاولات المحادثات مع نظرائهم الجزائريين فيما البقية كانت لها وظيفة ديكورية.
خلال زيارته التقى ماكرون عبد المجيد تبون على الأقل 5 مرات والفرحة لا تغادر محياه! وقد تجاوز اللقاء الرسمي التوقيت المقرر بـ45 دقيقة، غادر على إثره الإثنان مكان الاجتماع وهما يشدان ذراع بعضهما البعض! ثم جاءت في الندوة الصحافية وبعد زيارة ماكرون لمقبرة القديس أوجين كلمات الحفاوة والود من قبيل «إعادة الثقة»، «تعزيز أواصر الصداقة»، «أخوة الشعبين» لتأكيد الرغبة في طي صفحة الماضي الذي لا يمضي في الواقع. الشد على الأيدي، العناق، الذراع على الذراع وغيرها هي أحد الرموز الظاهرة لسياسة التصالح وعفا الله عما سلف. يشعر ماكرون أنه اقترف ذنبا تاريخيا لما ادلى بتصريحات نابية في حق النظام وتاريخ الجزائر: «لم تكن الجزائر أمة إلا بعد الاستقلال»، «الجنرالات جعلوا من الذاكرة ريعا» الخ…من هنا سعيه إلى التكفير عن ذنبه وهي ليست طريقة صحية للتصالح والمصالحة. لأن أحد الأطراف سيبقى مدينا للأخر. يمتثل لابتزازه ومساوماته. لذا فالرابح في هذه الزيارة هي الجزائر وذلك على عدة مستويات:
ستعزز هذه الزيارة من سلطة تبون والجنرالات لمتابعة سياستهم اللاديمقراطية مع حرق ما تبقى من الحراك. لم يثر ماكرون مع نظيره الرسالة التي وقعتها 13 منظمة حقوقية والتي تنشد فيها الرئيس إثارة الموضوع مع المسؤولين الجزائريين.
لن تعارض باريس إرادة الاستقواء الإقليمي للجزائر بل قد تدفع بها إلى أخد واجهة الزعامة الإقليمية. استقبال قيس سعيد لرئيس البوليساريو طعنة للمغرب وتعزيز لرغبة الاستقواء الجزائرية. أصبحت فرنسا بعد انسحابها من مالي، تنظر للجزائر كذرع في وجه إرهاب وهجمات القاعدة. كما تنظر للاستخبارات الجزائرية كسند للحصول على معلومات لرصد تحركات فصائل القاعدة وداعش بالمنطقة. خصوصا وأن الجزائر على علم بالتركيبة البشرية والاستراتيجية لهذين التنظيمين وبالأخص لتنظيم القاعدة الذي يتكون من عناصر جزائرية. ثم إن باريس قد تستفيد من المجال الجوي الجزائري للعبور في اتجاه دول الساحل وبسط طائرات مسيرة في مجالها الجوي قصد المراقبة. وتواجد وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الفرنسي ضمن الوفد هو لهذه الغاية. ثم إن حديث البلدين عن تعزيز الدفاع المشترك هو أحد الأهداف التي تطمح لها الجزائر.
ستعزز فرنسا من نسبة التأشيرات الممنوحة للطلبة الجزائريين بنسبة 27 في المائة. وقد نوقش الموضوع إلى ساعة متأخرة من الليل. طموح ماكرون هو « طرح مقاربة لينة في موضوع الهجرة المنتقاة (عائلات ذوي الجنسية المزدوجة، أرباب العمل، الرياضيون، الطلبة) وذلك بتقليص وتبسيط مدة الحصول على التأشيرة).
خلقت هذه الزيارة لدى مغاربة فرنسا والمغاربة عموما حسرة كبرى بل حنقا غير مسبوق. يعتبرون أن فرنسا بسبب مصالح ضيقة خانت العهد التقليدي الذي يربط البلدين. يعتبرون أن الزيارة الاستظهارية والاستعراضية لماكرون تتضمن بعضا من الاستفزاز وشجعت تونس على الإقدام على ما أقدمت عليه. ولربما قد تشجع دولا أخرى على القيام بنفس الخطوة. لذا على المغرب ان يرتب بيته ويعبيء نفسه لمواجهة الرهانات القادمة.
المكسب الوحيد الذي حققته فرنسا إلى ألان هو فكرة تشكيل لجنة مشتركة فرنسية جزائرية للنظر في التاريخ الاستعماري (120 سنة)، من طرف مؤرخين اختصاصيين من البلدين. ويشير البعض إلى أن هذا المقترح يقف من ورائه عبد المجيد تبون وهي حقيقة كاذبة. إذ يحمل هذه الفكرة منذ سنتين على الأقل المؤرخ بينجامان ستورا. وقد حاضر في هذا الموضوع عدة مرات لما استدعيته للقاءات خميس معهد العالم العربي بباريس. كما أن مفهوم ريع الذاكرة، يبقى من توقيعه. وقد أوحى للرئيس ماكرون بالعديد من الأفكار في هذا المجال . لذا يعتبر المهندس الحقيقي لمشروع اللجنة الثنائية التي ستتكون من 12 مؤرخا، ستة فرنسيين وستة جزائريين. هذا مع العلم أنه من الجانب الجزائري ليست هناك أية رغبة لفتح الأرشيفات أو تسليم الوثائق وهو شيء يزعج الفرنسيين كثيرا لأنهم ينظرون لهذا التستر على أنه رقابة وخوف من الكشف عن الحقيقة، التي ستسير في هذه الحالة على رجل واحدة.