طرابلس تختنق.. هل بات الصلح مستحيلاً في ظل حكومة الدبيبة؟

ليبيا، التي لم تخرج بعد من أتون الفوضى، عادت عاصمتها إلى واجهة الدم والرصاص. ليل الإثنين لم يكن عادياً في طرابلس، فشوارعها تحولت إلى ساحات اقتتال، وسكانها أُجبروا من جديد على الاحتماء خلف الجدران، في مشهد يعيد للأذهان صور الحرب لا الدولة. فما الذي انفجر مجددًا؟ ومن يتحمل المسؤولية السياسية في هذا الانهيار الأمني المتكرر؟

حرب شوارع أم رسائل سياسية؟

تُخاض المعركة الأخيرة بين تشكيلات أمنية متنازعة، تدّعي كل منها الانضباط والشرعية، بينما الواقع أن طرابلس تُدار منذ سنوات بمنطق “توازن السلاح”. لكن ماذا يعني أن تنفجر العاصمة كلما اقترب الحديث عن إعادة ترتيب المؤسسات أو إجراء انتخابات؟ وهل هذه الاشتباكات مجرد “صدفة أمنية”، أم جزء من مشهد أكبر يعكس عمق الأزمة السياسية؟

المجلس البلدي يدق ناقوس الخطر.. ولكن من يستمع؟

المجلس البلدي لطرابلس – المركز أطلق نداء استغاثة، داعياً إلى وقف فوري لإطلاق النار. وصف المدينة بأنها تحوّلت إلى “ساحة حرب”، وأشار إلى اتساع رقعة الانقسام بين المدن والمكونات. فهل يكفي بيان من بلدية العاصمة لوقف آلة التدمير؟ وأين هي السلطة المركزية القادرة على فرض الأمن؟

تحركات أممية وأمريكية.. ولكن إلى متى؟

بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا سارعت إلى الإدانة، كما فعلت سفارة الولايات المتحدة. بيانات القلق والتنديد تتكرر منذ سنوات، ولكن هل هذه الإدانات كافية؟ ألا تحتاج ليبيا إلى تدخل أكثر فعالية لتثبيت الحل السياسي؟ أم أن المجتمع الدولي ما زال يكتفي بلعب دور المتفرج؟

المنفي يخرج عن صمته.. في مواجهة الدبيبة؟

اجتماع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي مع وفد من سوق الجمعة، أحد الأحياء المتضررة، شكّل تطورًا لافتًا. الوفد هاجم قرارات حكومة الدبيبة، واعتبرها مست أهدافًا أمنية منضبطة. هل نحن أمام تصدع جديد في قمة هرم السلطة؟ وهل بدأ المجلس الرئاسي يلوّح برفض هيمنة الدبيبة على مفاصل الدولة الأمنية؟

الدبيبة يعلن “الانتصار النظامي”.. لكن لمن؟

في خضم الاشتباكات، نشر الدبيبة تدوينة قال فيها إن المؤسسات النظامية انتصرت. لكن على من؟ من يحدد طبيعة هذه المؤسسات النظامية؟ أليس بعض من شارك في الاقتتال جزءًا من أجهزة الدولة نفسها؟ وهل تحوّلت حكومة الدبيبة إلى “مدير توازنات” بين الفصائل بدل أن تكون أداة لإنهاء الفوضى؟

القماطي يوجّه ضربة قاسية.. والدولة تفقد هيبتها

المرشح لرئاسة الحكومة عبدالباسط القماطي اعتبر أن طرابلس تعيش مأساة، واتهم الدبيبة بالفشل السياسي والأمني، وباستخدام الدولة كغطاء للفساد. فهل هذه الانتقادات تعكس تغيرًا في المواقف داخل الطبقة السياسية؟ وهل الشعب الليبي جاهز للانخراط في مشروع بديل حقيقي؟ أم أن غياب الانتخابات أفرغ السياسة من معناها؟

علي التكبالي: الدبيبة لن يكون جزءًا من أي صلح حقيقي

تصريحات البرلماني الليبي علي التكبالي كانت الأوضح: “الدبيبة يستفيد من الفوضى، ولن يكون جزءًا من أي مصالحة حقيقية”. وأضاف أن العاصمة مختنقة بتوازنات سلاح مرهقة، وأن المشهد مرشح للانهيار ما لم يتم التدخل دولياً. فهل هذا الموقف البرلماني يعكس توجهاً عاماً داخل مجلس النواب؟ أم أنه صرخة معزولة وسط صراع الولاءات؟

المعضلة الليبية: دولة تحت قصف الفصائل وتراخي القانون

ما يجري في طرابلس ليس سوى تجلٍ لانقسام مؤسساتي أعمق. فليبيا تعيش بين حكومتين، وسلطتين أمنيتين، وشرعيتين متنازعتين، وميليشيات تقتسم المدن. فهل يمكن الحديث عن “دولة” في ظل هذا الواقع؟ ومن يمنع توحيد الأجهزة الأمنية؟ وهل الحل بيد الليبيين وحدهم أم بيد من يمول ويؤثر في الداخل من الخارج؟

مبادرات المغرب.. هل يعاد إحياؤها؟

على امتداد السنوات الأخيرة، رعت المملكة المغربية سلسلة من جلسات الحوار بين الفرقاء الليبيين، أبرزها اتفاق الصخيرات، وجولات بوزنيقة التي وضعت أسساً لتوحيد المؤسسات. ولكن، لماذا لم تُترجم تلك التفاهمات إلى واقع؟ وأين عرقلتها؟ وهل آن الأوان لإعادة بناء مسار سياسي جديد ينطلق من تفكيك “منظومة السلاح” بدل التعايش معها؟

الخلاصة: طرابلس تنزلق من جديد.. والوقت يداهم الجميع

طرابلس اليوم ليست مجرد مدينة تحت القصف، بل عنوان لأزمة وطن. ومع غياب الإرادة السياسية، واستمرار التواطؤ الإقليمي والدولي، فإن ليبيا تواجه سيناريوهين لا ثالث لهما: إما حوار شامل يعيد تشكيل السلطة على أسس الشرعية الشعبية، أو الغرق أكثر في دوامة العنف والتفكك.

فمن يتحرك أولاً قبل أن تضيع الفرصة الأخيرة؟ وأي ليبيا نريد أن نراها بعد كل هذا الدمار؟