لا يبدو أن الهجمات الإسرائيلية الحالية ضد إيران، والتي تحولت إلى حربٍ جوية وبالصواريخ بين الطرفين، تهدف فقط لضرب أشياء محددة بالداخل الإيراني أو إيصال رسائل بالنار لنظام آية الله، وإنما تشير بعض المعطيات والدور الأمريكي لما أبعد من ذلك والذي يصل لمحاولة إسقاط النظام الإيراني نفسه أو حتى خلخلته بقوة وتأجيل السقوط لمراحل تالية.
ما هي الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران لفهم دورها فيما يجري؟
منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، وحتى عهد الرئيس السابق، جو بايدن، ظلت الاستراتيجية الأمريكية تجاه نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، هي العمل على تعديل سلوك هذا النظام بما يتوافق ولمصالح الغربية، بينما لم تسعى واشنطن طول الفترة السابقة لتبني نهج يهدف لإسقاط النظام الإيراني ذاته.
ومؤسسات الدولة الأمريكية لطالما اعتبرت إيران إحدى نقاط الارتكاز الهامة بمنطقة وسط آسيا وهذا من جانب، ومن جانبٍ آخر ظلت طهران الجمهورية الإسلامية تحقق توازنًا ضط الطموح الروسي بهذه المنطقة، أما من جانبٍ ثالث ظلت الدولة الإيرانية بالنظام الذي يحكمها مصدرًا لتهديد الدول المحيطة وعلى رأسها دول الخليج، مما خلق طلبًا مستمرًا على المنتجات العسكرية الأمريكية، ومن جانبٍ رابع ظلت العقلية التي تحكم من طهران عامل مساعد في توسيع الشرخ الأكبر داخل العالم الإسلامي المتمثل في الخلافات السنية – الشيعية.
لماذا القول إذًا بوجود نوايا تهدف لإسقاط النظام الإيراني؟
مع مجيء الإدارة الثانية لدونالد ترامب، صارت هناك مساعي جديدة لدى الدولة الأمريكية ترمي لإعادة هيكلة نظام الشرق الأوسط الإقليمي لكي يخدم استراتيجية واشنطن الكبرى المتمثلة في زيادة التركيز والتمركز الأمريكي بمنطقة الباسيفيك، حيث تبتكر هناك الآن منجزات النهضة التكنولوجية الجديدة، بالإضافة إلى أن هذه المنطقة صارت تستحوذ على 60% من تجارة الكوكب.
بالتالي صارت إيران الحالية، حجر عثرة بالشرق الأوسط يُعرقل تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية العالمية الكبرى.
بالتالي أيضًا، سمحت واشنطن لإسرائيل بتقليم أظافر النظام الإيراني بالخارج (في الإقليم)، ثم سمحت لها بعد ذلك بضرب النظام في مركزه دون تردد، بعدما كشفت جولات المفاوضات النووية الأمريكية – الإيرانية الخمس الأخيرة والاتصالات منخفضة المستوى غير المعلنة، أن هذا النظام مصمم على اللعب بنوع من الاستقلالية عن المنظومة الأمريكية – الغربية.
كيف يتفادى النظام الإيراني فخ السقوط؟
من غير المعلوم الخطط الأمريكية – الإسرائيلية الحالية ضد إيران، كما أن حجم الاختراقات الإسرائيلية داخل إيران، فتحت الباب أمام التكهن باحتمال حدوث جميع السيناريوهات وأسوأها.
لكن بالسياسة تبقى دائمًا هناك مساحة للمناورة حتى في أسوأ الظروف، ومن بين ما هو متاح أمام طهران الآن عدم اتخاذ قرارات متشددة مثل الانسحاب من معاهدة الأسلحة النووية، فهذا الأمر سوف يدفع الأمريكيين لدخول الحرب مباشرةً بجانب الإسرائيليين.
صانعي القرار في إيران يدركون كذلك أهمية الابتعاد عن استهداف القواعد والمصالح الأمريكية الواقعة ضمن مدى أسلحتهم، ففي هذه الحالة سيجد الأمريكيون المبرر لدخول الحرب.
كما يدرك النظام الإيراني أهمية تأمين الجبهة الداخلية والمؤامرات التي تدبرها الولايات المتحدة وإسرائيل وبخاصةً داخل القوات المسلحة.
يدرك أيضًا النظام في طهران ضرورة أن تُلحق ضرباته قدرًا مناسبًا من الدمار بإسرائيل، يجعل من إمكانية فتح قنوات سياسية لوقف الحرب، أمرًا ممكنًا.