ذات صلة

أحدث المقالات

مراكش تشهد احتفاءً جديداً بالسينما… والمغرب يؤكد جدارته على خارطة الفن العالمي

انطلقت الدورة الثانية والعشرون من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش...

إعدام في جنين… حين يتحوّل الميدان إلى مساحة معلّقة خارج القانون

لم يكن تصريح مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة...

مراكش تُصغي إلى نور جودي فوستر… حين يصبح التكريم قراءة في تاريخ السينما لا مجرد لحظة احتفالية

لم تكن مراكش، في تلك الليلة، مجرّد مدينة تستقبل نجمة عالمية؛ بل بدت وكأنها تدخل في حوار صامت مع تاريخ السينما نفسه. فقد جاء تكريم الممثلة والمخرجة الأميركية جودي فوستر ليعيد طرح سؤال قديم-جديد: ما الذي يجعل فنانة تتحوّل إلى مرجع، إلى ذاكرة مشتركة تتجاوز حدود بلدها وثقافتها؟

جودي فوستر، التي دخلت السينما طفلة ثم تدرّجت بثبات نادر، لم تُكرَّم لأنها “طويلة المسيرة”، بل لأنها شكّلت، عبر عقود، مدرسة في الجرأة: جرأة في اختيار الأدوار، وجرأة في كسر النمط، وجرأة في الاحتفاظ بخصوصيتها وسط صخب هوليوود.

القاعة اشتعلت حين ظهر المخرج الكوري بونغ جون هو ليقدّم لها النجمة الذهبية. كان المشهد في حدّ ذاته تلاقحًا بين مدرستين سينمائيتين: الواقعية القاسية التي يُجيدها بونغ، والذكاء النفسي العميق الذي ميّز أداءات فوستر. لحظة تقول إن السينما، حين ترتقي، لا تعترف بالحدود.

ثم جاءت المفاجأة: رسالة مارتن سكورسيزي، الرجل الذي يعرف كيف يحوّل اللغة السينمائية إلى مختبر دائم. كانت رسالته بمثابة طبقة أخرى في مشهد التكريم، كأنها ختمٌ من أحد أساتذة المهنة على مسيرة فنانة لم تكن يومًا عابرة.

لكن ما يجب أن نقرأه خلف هذا التكريم يتجاوز سيرة فوستر. إنه أيضًا اعتراف ضمني بمكانة مراكش—مدينة أصبحت خلال سنوات قليلة منصة تستقطب كبار السينمائيين، وتحوّل المهرجان إلى مساحة للحوار العميق حول معنى أن نصنع فنًا في زمن تتسارع فيه التحوّلات.

تكريم فوستر لم يكن مجاملة؛ كان بيانًا سينمائيًا يقول إن الإبداع الحقيقي، مهما اختلفت جغرافيته، يُقاس بقدرته على لمس الإنسان، على مساءلة الواقع، وعلى الصمود أمام الزمن. وجودي فوستر، في تلك الليلة، لم تكن ضيفةً فحسب… كانت درسًا حيًا في ما يعنيه أن يظل الفنان وفيًّا لجوهره، مهما تغيّرت الصناعة.

spot_imgspot_img