ذات صلة

أحدث المقالات

لقاء مليء بالألوان والطاقة مع ضيفتي من البرازيل في مهرجان Visa For Music

كان لقائنا بضيفة البرازيل إحدى اللحظات البارزة والمضيئة في...

لقاء فني جميل مع كلوتيلد رولو في مهرجان “فيزا فور ميوزيك”

كان لقائي بالفنانة الفرنسية كلوتيلد رولو إحدى اللحظات الهادئة...

«النداء» في أورلاندو: جسور ثقافية بين المغرب وأمريكا وتجربة تيري أولسون في الأقاليم الجنوبية

أورلاندو – الولايات المتحدة الأمريكيةشهدت مدينة أورلاندو الساحرة عرضًا...

مراكش… حين يتحول الفيلم إلى رؤية: قراءة تحليلية في رسالة سمو الأمير مولاي رشيد

ليس من المبالغة القول إن كلمة صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، رئيس مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، تكشف أكثر مما تعلنه. فهي ليست مجرد تحية افتتاحية لدورة جديدة، بل أشبه ببيان ثقافي يحدد موقع المغرب في خريطة السينما العالمية، ويعيد التأكيد على فلسفة المهرجان كمنصة للتفكير والتجديد، لا مجرد تظاهرة فنية عابرة.

منذ تأسيسه، أدرك المهرجان – تحت رعاية وقيادة سمو الأمير – أن السينما ليست ترفاً، بل فضاء للتواصل والتفاوض الرمزي بين الثقافات. ولهذا يشدد سموه على أن مراكش أصبحت “منصة للحوار والاكتشاف”، وهي عبارة تختزل جوهر هذا المشروع: بناء جسر دائم بين المغرب والعالم، بين المخرجين الشباب ومحيط مهني دولي، وبين جمهور يبحث عن المعنى وعالم يتحرك بسرعة الضوء.

التحول الاستراتيجي: من مهرجان إلى مؤسسة إنتاج المعرفة السينمائية

اللافت في رؤية سمو الأمير هو التركيز على ما وراء العروض: برامج الأطلس.
هذه البرامج لم تعد مجرد مبادرات موازية، بل تحولت اليوم إلى مختبر إقليمي لإنتاج السينما الجديدة من المغرب والعالم العربي وإفريقيا.

حين يتحدث سموه عن دمج ورشات الأطلس ومنصة الأطلس وبرنامج التوزيع والأطلس بريس، فهو يشير إلى هندسة كاملة صنعتها مؤسسة المهرجان لتغطية سلسلة الإبداع من بدايتها إلى نهايتها:

  • من كتابة السيناريو

  • إلى الإنتاج

  • إلى النقد

  • وصولاً إلى التوزيع

إنها رؤية شاملة، تبني نظاماً بيئياً (Écosystème) سينمائياً متكاملاً يضع مراكش في قلب الحراك السينمائي العالمي.

ورشات الأطلس: مدرسة غير معلنة للجيل الجديد

في حديث سمو الأمير عن الورشات، نقرأ رغبة واضحة في تمكين جيل جديد من السينمائيين.
ليست المسألة تقنية فحسب، بل رهان على بناء الثقة وتحرير الصوت الإبداعي في عالم يميل فيه المركز إلى ابتلاع الهامش.

هذه الورشات التي تستقبل كل سنة مخرجين ومنتجين ونقاداً ناشئين من القارات الثلاث، تجعل من مراكش نقطة تلاقٍ بين التجارب، ومساحة حرة للتفكير في مستقبل السينما خارج النماذج التقليدية.

إضافة نوعية: لقاءات الأطلس للتوزيع

إطلاق برنامج جديد يجمع ستين مهنياً من إفريقيا والعالم العربي وأوروبا ليس خطوة عابرة.
إنه إعلان صريح بأن المغرب لم يعد فقط “مستقبلاً للسينما”، بل فاعلاً حقيقياً في سوقها الدولي.
التوزيع هو الحلقة الأهم والأصعب في الصناعة السينمائية، وفتح هذا المجال عبر مراكش يعكس وعياً عميقاً بأهمية سرديات جديدة قادرة على الوصول إلى جمهور عالمي.

التكريم… قراءة في رمزية الأسماء

تكريم أربع شخصيات من المغرب والولايات المتحدة ومصر والمكسيك يحمل رسائل متعددة:

  • راوية… تمثيل للذاكرة السينمائية المغربية وقدرتها على التجدد

  • جودي فوستر… جسر نحو هوليوود واعتراف عالمي بالمهرجان

  • حسين فهمي… أيقونة السينما العربية وعمقها التاريخي

  • غييرمو ديل تورو… خيال لا حدود له، وصوت عالمي في سرديات العصر

هكذا يتحول التكريم إلى مشهد مصغر عن التعددية الثقافية التي يدافع عنها المهرجان.

التحكيم… صرامة فنية ورؤية كونية

اختيار بونغ جون هو، المخرج الكوري الحائز على السعفة الذهبية، لرئاسة لجنة التحكيم هو إعلان غير مباشر أن المهرجان لا يبحث عن الوجاهة، بل عن نوعية تضمن اكتشاف أصوات جديدة قادرة على فهم أسئلة عصر تتغير بسرعة.

السينما في زمن التحولات

يختم سمو الأمير كلمته بإشارة مكثفة وساخنة من حيث معناها:

السينما معيار أساسي للتقارب بين الناس وتنوير المجتمعات.

في عالم يميل نحو الانقسام، تصبح السينما – في رؤية سمو الأمير – لغة لتخفيف الصدام وإعادة بناء الخيال المشترك.
وهذا جوهر ما يقدمه مهرجان مراكش: مساحة للتفكير في العالم، لا للهروب منه.

خلاصة تحليلية

رسالة سمو الأمير مولاي رشيد ليست خطاباً بروتوكولياً، بل وثيقة رؤية ثقافية طويلة المدى، تؤكد ثلاثة أمور:

  1. أن المغرب يطمح إلى قيادة إقليمية في السينما، لا مجرد حضور رمزي.

  2. أن مراكش ليست مدينة للمهرجانات فقط، بل بوابة لصناعة سينمائية في طور التشكل.

  3. أن السينما، كما يراها سمو الأمير، قوة ناعمة تشكل جزءاً من الدبلوماسية المغربية الجديدة.

بهذا المعنى، دورة 2025 ليست حدثاً سنوياً… بل حلقة أخرى في مشروع أكبر، مشروع يريد للسينما أن تكون فضاءً إنسانياً للتقارب والتفكير، في زمن تتسارع فيه التحولات أكثر من قدرة العالم على فهمها.

spot_imgspot_img