ذات صلة

أحدث المقالات

مستقبل الحكومة المغربية بين الشرعيتين الانتخابية والدستورية: تحليل نقدي لرؤية د. الحسن عبيابة

في مقالته الأخيرة، تحت عنوان "مستقبل الحكومة بين السياق الانتخابي...

“سفارة المغرب بواشنطن: بين الاعتراف الأمريكي وغياب الدبلوماسية النشطة – هل تُهدر الفرص الذهبية؟”

تشكل الدبلوماسية المغربية حجر الزاوية في تعزيز مكانة المملكة...

مستقبل الحكومة المغربية بين الشرعيتين الانتخابية والدستورية: تحليل نقدي لرؤية د. الحسن عبيابة

في مقالته الأخيرة، تحت عنوان “مستقبل الحكومة بين السياق الانتخابي والسياق الدستوري”، يطرح الدكتور الحسن عبيابة، الوزير السابق ورئيس مركز ابن بطوطة للدراسات والأبحاث العلمية والإستراتيجية، رؤية تحليلية عميقة حول أداء الحكومة المغربية الحالية ومستقبلها في ظل التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد. يعتمد عبيابة في تحليله على قراءة متوازنة للشرعيتين الانتخابية والدستورية، مع تسليط الضوء على الإخفاقات التي تعترض تنفيذ البرنامج الحكومي، وطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل المشهد السياسي المغربي.

السياق العام: إخفاقات البرنامج الحكومي وفقدان المصداقية

يبدأ عبيابة تحليله بالإشارة إلى أن الحكومة الحالية جاءت في أعقاب انتخابات برلمانية وجماعية موحدة في سبتمبر 2021، والتي وُصفت بأنها “شفافة ونزيهة”. هذه الانتخابات أعطت شرعية انتخابية للحكومة، لكنها فشلت في تحقيق المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي رفعتها في برنامجها، خاصة فيما يتعلق ببناء “الدولة الاجتماعية”.

هنا يبرز سؤال محوري: لماذا فشلت الحكومة في تحقيق أهدافها رغم الشرعية الانتخابية التي تتمتع بها؟ يعزو عبيابة هذا الفشل إلى عدة عوامل، منها:

  1. عدم تحقيق النمو الاقتصادي المطلوب: فشلت الحكومة في تحقيق أي نمو اقتصادي يُذكر، مما أدى إلى تعثر التنمية الموعودة.

  2. تعثر بناء الدولة الاجتماعية: يرى عبيابة أن هذا الملف لم يكن مدروسًا بشكل كافٍ من الناحية المالية والاجتماعية.

  3. ارتفاع معدلات البطالة: وصلت نسبة البطالة إلى أكثر من 21% حسب إحصاءات 2024، مما يعكس فشل السياسات الحكومية في خلق فرص عمل.

  4. إفلاس المقاولات الصغرى والمتوسطة: أفلست آلاف المقاولات، التي تشكل أكثر من 80% من النسيج الاقتصادي الوطني، مما زاد من تفاقم الأزمة الاقتصادية.

  5. ارتفاع تكاليف المعيشة: ارتفعت القدرة الشرائية بشكل كبير، مما أدى إلى زيادة الفقر وتعميق الفجوة بين الطبقات الاجتماعية.

بناءً على هذه المؤشرات، يخلص عبيابة إلى أن البرنامج الحكومي أصبح “عاجزًا” عن تحقيق أهدافه المتبقية، مما يضع مستقبل الحكومة موضع تساؤل.

الشرعية الانتخابية: بين المصداقية المفقودة والواقع السياسي

يؤكد عبيابة أن الحكومة الحالية تعتمد على شرعيتين: الشرعية الانتخابية والشرعية الدستورية. بالنسبة للشرعية الانتخابية، يرى أن الحكومة اكتسبتها من خلال البرلمان وليس من المواطنين مباشرة. ومع ذلك، فقدت هذه الشرعية مصداقيتها لدى الناخبين بسبب الإخفاقات المذكورة أعلاه.

هنا يطرح عبيابة تساؤلًا جوهريًا: هل يمكن للحكومة أن تحافظ على شرعيتها الانتخابية في ظل تراجع الثقة الشعبية؟ الإجابة تبدو سلبية، خاصة في ظل تزايد السخط الشعبي وتراجع مؤشرات الأداء الحكومي.

الشرعية الدستورية: بين التدخل الملكي والأغلبية البرلمانية

أما الشرعية الدستورية، فيشير عبيابة إلى أنها تعتمد على تصويت البرلمان على البرنامج الحكومي وتعيين الحكومة من قبل جلالة الملك. ومع ذلك، يلاحظ أن عملية تشكيل الحكومة تخضع لاعتبارات سياسية أكثر منها انتخابية، حيث يختار رئيس الحكومة الأحزاب التي تشكل معه الائتلاف الحكومي بعيدًا عن إرادة الناخبين المباشرة.

هذا الواقع يطرح تساؤلًا آخر: هل يمكن اعتبار الحكومة ممثلة حقيقية لإرادة الناخبين في ظل هذه الآليات الدستورية؟ يرى عبيابة أن الإجابة تكمن في طبيعة النظام السياسي المغربي، الذي يجمع بين الشرعية الانتخابية والشرعية الدستورية، لكنه يترك مجالًا واسعًا للتدخل السياسي بعيدًا عن الانتخابات.

مستقبل الحكومة: بين الاستمرار والتغيير

في الجزء الأخير من مقاله، يتناول عبيابة سيناريوهات مستقبل الحكومة، معتبرًا أن استمرارها في ظل الإخفاقات الحالية قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية. ويحذر من أن الانتخابات المقبلة قد تتحول إلى “صراع سياسي” وليس “صراعًا انتخابيًا”، خاصة مع احتمال دخول أطراف سياسية متطرفة تستغل الظروف لتحقيق أهدافها.

كما ينتقد عبيابة ظاهرة “الملاحق الانتخابية”، حيث تتعامل الأغلبية الحاكمة مع الأحزاب الأخرى كأدوات انتخابية تتحكم في ترشيحاتها وسياساتها. هذا الوضع، حسب عبيابة، يهدد بتقويض الديمقراطية وتكافؤ الفرص بين الأحزاب.

حكومة تكنوقراطية: حل أم تعقيد؟

في ختام مقاله، يقترح عبيابة تشكيل حكومة تكنوقراطية لتدبير المرحلة المقبلة، معتبرًا أن هذا النموذج قد يكون أكثر فعالية في تجاوز الإشكالات الداخلية وإكمال المشاريع الملكية. كما يدعو إلى خلق تعبئة وطنية جديدة لمواجهة التحديات الخارجية، وتهيئة الظروف المناسبة لإجراء انتخابات تضمن تكافؤ الفرص والمنافسة العادلة.

هنا يطرح عبيابة تساؤلًا أخيرًا: هل يمكن لحكومة تكنوقراطية أن تكون الحل الأمثل في ظل التحديات الحالية؟ الإجابة تبدو إيجابية في ظل تراجع الثقة في الأحزاب السياسية التقليدية، لكنها تظل مقترنة بضرورة ضمان مشاركة ديمقراطية واسعة وشفافية في عملية التشكيل.

الخاتمة: نحو مستقبل ديمقراطي أكثر استقرارًا

يخلص الدكتور الحسن عبيابة إلى أن مستقبل الحكومة المغربية يعتمد على قدرتها على استعادة المصداقية الشعبية وتحقيق الإنجازات الملموسة. وفي ظل الإخفاقات الحالية، يبدو أن التغيير في التركيبة الحكومية أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة قد يكونان خيارًا ضروريًا لاستعادة الثقة وإعادة بناء المشهد السياسي.

لكن السؤال الأكبر يبقى: هل يمكن للنظام السياسي المغربي أن يتجاوز هذه الأزمات ويبني مستقبلًا ديمقراطيًا أكثر استقرارًا؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مصير التجربة الديمقراطية المغربية في السنوات القادمة.

spot_imgspot_img