ذات صلة

أحدث المقالات

جنوب إفريقيا وصحراء المغرب: تحول سياسي في الموقف أم مناورة انتخابية؟

تصريح زوما وحزب MK يؤكدان دعم الحكم الذاتي… هل...

حين لا يكفي فتح المعابر: هل تصمد الشراكة المغربية الإسبانية أمام موجة التحريض؟

بين الشراكة الرسمية والكراهية اليومية: عندما تصطدم عملية "مرحبا"...

الأمم المتحدة والحكومة المصرية تحتفلان بيوم السكان العالمي

احتفل صندوق الأمم المتحدة للسكان ووزارة الصحة والسكان المصرية،...

يهود مغاربة يعودون من إسرائيل إلى المغرب: حنين إلى الجذور أم هروب من واقع مضطرب؟

في تحول ديمغرافي وثقافي غير مسبوق، بدأت ظاهرة الهجرة...

من تل أبيب إلى الرباط.. هل يتحول التطبيع الاقتصادي إلى واقع يومي؟

في خطوةٍ وُصفت بـ”النوعية والاستراتيجية”، أعلنت وزارة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية عن تعيين أول ملحق اقتصادي لها في المغرب، ليتولى قيادة البعثة الاقتصادية الإسرائيلية بمكتب الاتصال في الرباط خلال صيف 2025.

هذه الخطوة، رغم صبغتها الاقتصادية الظاهرة، تطرح تساؤلات أعمق: هل نحن أمام مرحلة جديدة من تطبيع الواقع بدل الخطاب؟ وهل تُعبر هذه المبادرة عن إرادة رسمية مغربية، أم مجرّد ارتداد طبيعي لاتفاقيات أبراهام الموقّعة في 2020؟

ملحق اقتصادي إسرائيلي في الرباط: دلالة الزمان والمكان

اختارت تل أبيب أن تُعزز حضورها في الرباط، ليس من بوابة السفارات أو المبادلات الثقافية، بل عبر تعيين أبيحاي ليفين كأول ملحق اقتصادي يمثلها في المغرب. هذا القرار يأتي في لحظة دقيقة إقليمياً، وسط توترات متصاعدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وانقسامات داخل المغرب حول مآلات التطبيع.

وزارة الاقتصاد الإسرائيلية وصفت الخطوة بأنها “نقلة نوعية” في العلاقات مع المملكة، معتبرة أن الملحقية الاقتصادية ستمثل بوابة لتعزيز المبادلات التجارية وجذب استثمارات في قطاعات الابتكار والتكنولوجيا الفلاحية والمياه، مستفيدة من الإمكانات التي تتيحها “الشراكة مع الدول العربية بعد اتفاقيات أبراهام”.

من العلاقات الرمزية إلى الشراكة المُمأسسة؟

منذ توقيع اتفاقية استئناف العلاقات، ظل التعاون المغربي-الإسرائيلي يدور في نطاق أمني واستخباراتي أو محدود بمبادلات تجارية غير مؤطرة. أما اليوم، فبدا أن إسرائيل تراهن على “مأسسة” علاقتها بالمغرب اقتصادياً. فبحسب تصريحات مسؤولين إسرائيليين، فإن التبادل التجاري بين البلدين عرف تطوراً منذ 2021، ووصل إلى قرابة 47 مليون دولار في سنة 2022، وهو رقم مرشح للارتفاع مع انفتاح القطاعات الإنتاجية المغربية على شراكات مباشرة مع شركات إسرائيلية.

لكن، خلف هذه الأرقام، يبرز تساؤل مشروع: هل المغرب الرسمي مستعد لتوسيع هذه الشراكة رغم هشاشة التوافق الشعبي بشأنها؟

السياق المغربي: بين الخط الرسمي والرفض المجتمعي

تأتي هذه الخطوة في ظل تزايد الأصوات الشعبية والسياسية الرافضة لأي تطبيع مع إسرائيل. فالمسيرات التي عرفتها المدن المغربية خلال الأشهر الماضية – خصوصاً بعد العدوان الإسرائيلي على غزة – أظهرت تمسكاً شعبياً قوياً بمركزية القضية الفلسطينية. كما أن عدداً من النقابات والهيئات المهنية، ومنها نقابات التعليم والصحة، عبّرت مراراً عن رفضها لأي اختراق إسرائيلي في مجالاتها.

لكن في المقابل، يلاحظ غياب موقف رسمي واضح من هذه المبادرة الجديدة، ما يعكس – على الأرجح – استمرار نهج الصمت الحذر الذي اختاره المغرب منذ توقيع الاتفاق. فهل هذا الغموض يعكس توافقاً خفياً مع الخطوة، أم خشية من صدام مباشر مع الرفض المجتمعي الواسع؟

التطبيع الاقتصادي.. تمهيد للتطبيع الثقافي والاجتماعي؟

لا يمكن عزل هذه المبادرة عن سياق أوسع من محاولات التطبيع التدريجي، التي بدأت بإشارات ثقافية وسياحية، ثم تحوّلت إلى شراكات جامعية، وها هي اليوم تتخذ شكل تمثيلية اقتصادية مباشرة.

في هذا السياق، يحذر مراقبون من أن التغلغل الاقتصادي، مهما بدا تقنياً ومحايداً، قد يمهد الأرضية لاختراق مجتمعي أوسع، خصوصاً في ظل الترويج المكثف لـ”منافع التطبيع” على الاقتصاد الوطني، في تجاهل تام لحساسية القضية فلسطينياً ومغاربياً.

خاتمة: هل يمكن للاقتصاد أن يُعيد تشكيل الذاكرة الجماعية؟

إن تعيين ملحق اقتصادي إسرائيلي في الرباط قد يبدو خطوة صغيرة في دفتر العلاقات الثنائية، لكنه يعكس تحولا نوعيا في مقاربة إسرائيل للمنطقة، وفي تصورها لمستقبل الحضور في المغرب.

لكن، هل يستطيع المنطق الاقتصادي أن يعيد تشكيل الذاكرة الجماعية للمغاربة؟ وهل يمكن لفكرة “الربح المتبادل” أن تُغيّر من موقف شعبي ظل لعقود ينظر إلى القضية الفلسطينية باعتبارها قضية وطنية غير قابلة للمقايضة؟

الأسئلة تبقى مفتوحة، لكن المؤكد أن التطبيع في بعده الاقتصادي لم يعد مجرد خيار دبلوماسي، بل بات واقعاً ميدانياً يُفرض بصمت… في انتظار الرد من الشارع، ومن الدولة أيضاً.

spot_imgspot_img