ذات صلة

أحدث المقالات

بين “الأسف” و”الإنكار”: الجزائر تعجز عن استيعاب التحول البريطاني نحو مغربية الصحراء

لندن تدعم الحكم الذاتي... والجزائر في متاهة التناقضات: هل...

الجمعية العامة لموئل الأمم المتحدة تفتتح دورتها الثانية المستأنفة بدعوة عاجلة للعمل

افتتحت الدورة الثانية المستأنفة للجمعية العامة لموئل الأمم المتحدة...

أزمة السكن العالمية: حالة طوارئ تتطلب إجراءً جريئًا

مقال رأي بقلم: كلاوديا روزباخ - وكيلة الأمين العام...

من يضبط من؟ قانون “السوشل ميديا” المغربي بين حماية المجتمع وتضييق الحريات

هل نحن أمام محاولة لضبط الفوضى الرقمية… أم لإحكام القبضة على التعبير الرقمي؟

وضعت حكومة رجال الأعمال في المغرب، عبر وزارة الشباب والثقافة والتواصل، اللمسات الأخيرة على مشروع قانون لضبط وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية، في وقت تتسع فيه هوة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة حول حرية التعبير في الفضاء الرقمي. هذا القانون المثير للجدل، والذي جاء على لسان الوزير محمد المهدي بنسعيد أمام لجنة الثقافة والتعليم والاتصال بمجلس النواب، يُقدم نفسه كحل “لحماية القيم المجتمعية” و”ملء الفراغ التشريعي”، لكنه يطرح أسئلة جوهرية حول الحد الفاصل بين التنظيم والرقابة، وبين الحماية والتقييد.

بين الحاجة للتقنين والمخاوف من التضييق

من الناحية الظاهرية، تبدو دوافع الحكومة منطقية: انتشار المنصات الرقمية بشكل غير مسبوق، تدفق محتوى غير مراقب، أضرار اجتماعية وتربوية، ومخاطر حقيقية على القاصرين والنسيج المجتمعي. فهل يحق للدولة أن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الظواهر؟ بالطبع لا. لكن:

هل الإطار المقترح يوازن فعليًا بين حماية الجمهور والحفاظ على حرية التعبير؟ أم أنه يخفي وراءه رغبة في السيطرة على المحتوى الذي لا يُرضي السلطة أو يتعارض مع سرديتها؟

ما الجديد في مشروع القانون؟ ومن المستهدف الحقيقي؟

يركّز المشروع على توسيع صلاحيات الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، لتصبح بمثابة شرطي رقمي يراقب ما يُبث داخل التراب الوطني، حتى ولو لم يكن للمنصة المعنية مقر في المغرب. تُخوّل للهيئة صلاحيات استثنائية:

  • مطالبة المنصات بتقارير دورية عن خوارزميات تعديل المحتوى

  • تسليم بيانات عن المحتوى المحذوف

  • فرض تعيين “ممثل قانوني” محلي يكون المخاطب الرسمي للدولة

لكن هل يعني هذا أن الدولة ستلزم شركات مثل Meta وTikTok وYouTube بالخضوع لقوانينها؟ وهل تمتلك الأدوات القانونية والسيادية لفعل ذلك؟

وهنا تبرز إشكالية أساسية: من يراقب المراقب؟

الاقتباس من التجربة الأوروبية: هل يصلح النسخ في بيئة مختلفة؟

استشهد الوزير بنموذج “قانون الخدمات الرقمية” الأوروبي، الذي دخل حيز التنفيذ في 2023، كمصدر إلهام. لكن:

هل يمكن إسقاط نموذج أوروبي صُنع في بيئة ديمقراطية تحترم مبدأ فصل السلطات، على سياق مغربي لا تزال فيه السلطة القضائية تعاني من تبعية نسبية، وتغيب فيه الشفافية حول كيفية استخدام آليات الرقابة؟

إن “التعديل الذاتي” و”الرقابة المؤسسية” التي يشير إليها الوزير تتطلب ثقة متبادلة ومؤسسات مستقلة، وليس فقط نصوصاً قانونية.

المواطن كمستهلك رقمي وكمواطن كامل الحقوق

المفارقة في هذا المشروع تكمن في تناقضاته: فهو يسعى لحماية القاصرين والمجتمع من “مضامين ضارة”، لكنه لا يقدم ضمانات كافية للمستخدمين الكبار – وهم الأغلبية – في التعبير عن آرائهم، خصوصاً في المواضيع السياسية والحقوقية.

هل يملك المواطن المغربي ضمانات بعدم تصنيف آرائه كمحتوى ضار؟ وهل سيتحول القانون إلى أداة لتجريم التعبير النقدي أو السخرية السياسية تحت غطاء “حماية القيم”؟

نحو منظومة رقمية مغربية ذات سيادة… أم نحو بيئة خاضعة للرقابة؟

الوزير يؤكد أن هذا القانون هو جزء من محاولة لبناء “سيادة رقمية مغربية”. هذا المفهوم، وإن كان يُستخدم في فرنسا وألمانيا لحماية البنية التحتية من الهيمنة الأمريكية، إلا أنه يُستخدم في المغرب في سياق مغاير.

فهل فعلاً الهدف هو حماية المستخدم المغربي من الابتزاز الرقمي والتضليل والمحتوى العنيف، أم أن الهدف هو ضبط “الرأي العام الرقمي” قبل أن يتحول إلى رأي عام مضاد؟

خلاصة:

مشروع قانون ضبط وسائل التواصل الاجتماعي في المغرب يُعيد فتح النقاش القديم-الجديد: هل يمكن للدولة أن تُنظّم الفضاء الرقمي دون أن تُخضعه؟ وهل نحن بحاجة إلى قانون للمنصات… أم إلى ثقة متبادلة بين الدولة والمواطن؟

الأسابيع القادمة، بعد نشر النص القانوني رسمياً، ستكون اختبارًا فعليًا: إما أن تتحول هذه المبادرة إلى خطوة في اتجاه مغرب رقمي أكثر نضجًا ومسؤولية، أو أن تُضاف إلى سلسلة من الإجراءات التي تُتهم بأنها تضيّق الخناق على حرية التعبير.

spot_imgspot_img