افتتاح مقر جديد للقنصلية العامة للمملكة المغربية بمدينة مونبلييه جنوب فرنسا قد يبدو خبراً إدارياً عادياً، لكن خلف هذا الحدث تقف أسئلة كبرى تتعلق بسياسات الدولة تجاه مغاربة العالم، والعلاقة المتقلبة مع فرنسا، وموقع الجالية المغربية في التحولات الجيوسياسية الراهنة.
فهل نحن أمام مجرد تحسين في جودة الخدمات؟ أم أن هذه الخطوة تحمل في طياتها رسائل سياسية ودبلوماسية دقيقة؟
من القرب الإداري إلى القرب الرمزي؟
يشكل افتتاح القنصلية الجديدة تتويجًا لتوجيهات ملكية واضحة تدعو إلى تقريب الإدارة من مغاربة العالم، وهو ما يعكس حرصًا متزايدًا على تحسين ظروف استقبالهم وتيسير ولوجهم إلى الخدمات القنصلية.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل يكفي بناء مقرات حديثة لتحقيق “القرب الحقيقي”؟ أم أن الرهان الأعمق يكمن في تغيير العقليات والمنظومة البيروقراطية التي لطالما اشتكى منها مغاربة المهجر؟
بمساحة 850 مترًا مربعًا وطاقم إداري جديد، القنصلية تستهدف خدمة نحو 200 ألف مغربي في ستة أقاليم فرنسية. غير أن حجم الجالية وتنوع حاجياتها يطرح تحديات تتجاوز الجوانب اللوجيستيكية.
القنصلية الجديدة… مؤشر على إعادة ترتيب العلاقات المغربية-الفرنسية؟
يتزامن هذا التدشين مع مرحلة دقيقة من العلاقات المغربية-الفرنسية، اتسمت في السنوات الأخيرة بتوترات دبلوماسية، تراوحت بين تجميد التأشيرات وتراجع التنسيق الأمني.
فهل يمكن قراءة افتتاح هذا المقر كجزء من إعادة بناء الثقة التدريجية بين البلدين؟ هل يحمل رسالة مبطنة مفادها أن المغرب ماضٍ في الدفاع عن جاليته وتحسين حضورها المؤسساتي، بصرف النظر عن مزاج باريس السياسي؟
مشاركة شخصيات فرنسية في حفل التدشين توحي بمحاولة إعادة الدفء للعلاقات الثنائية، لكن هل هي دلالة على تنسيق مستقبلي أو مجرد مجاملة بروتوكولية؟
الجالية المغربية: قوة بشرية أم رافعة استراتيجية؟
يمثل المغاربة المقيمون بالخارج، خصوصًا في فرنسا، أكبر جالية مغاربية من حيث العدد، وأكبر مصدر لتحويلات مالية نحو المغرب.
لكن هل حظيت هذه الجالية فعلاً بموقعها الاستراتيجي في السياسات العمومية؟ وهل القنصليات الجديدة هي استجابة حقيقية لمطالبها؟ أم أنها محاولة لتلميع صورة الدولة أمام انتقادات متزايدة حول ضعف التمثيل والبيروقراطية والإهمال؟
الجالية اليوم لم تعد تطالب فقط بجواز سفر أو شهادة حياة، بل بحقوق المواطنة الكاملة، وإشراك فعلي في القرار السياسي.
هل يشكّل هذا الحدث بداية مقاربة جديدة أم استمرارًا لسياسات تجميلية؟
القنصلية الجديدة بمونبلييه، رغم أهميتها، تظل جزءًا من سياسة أوسع لتحديث القنصليات المغربية بالخارج.
لكن التجارب السابقة أظهرت أن البنية التحتية دون بنية ذهنية ومؤسساتية جديدة، تظل غير كافية.
فـ:
-
هل تم تدريب الأطر القنصلية الجديدة على التواصل الإداري والثقافي مع جالية متعددة الأجيال؟
-
ما مدى إشراك فعاليات الجالية في رسم خدمات القنصلية؟
-
هل سيُفتح الباب لآليات تقييم دور القنصليات وجدواها، أم سيظل الأمر حكرًا على التقارير المركزية المغلقة؟