في لحظة سياسية حسّاسة، وجه نواب المعارضة في البرلمان المغربي دعوة صريحة للحكومة لـ”التوقف عن متابعة الصحافيين بالقانون الجنائي”، منتقدين تزايد استخدام هذا النص القانوني ضد أصوات إعلامية وحقوقية مستقلة. لكن هل المعارضة نفسها قادرة على وقف هذا التوجه؟ أم أن ضعفها الهيكلي يجعل من تصريحاتها مجرد تسجيل موقف بلا أثر؟
دعوة جريئة من معارضة ضعيفة.. هل تكفي النوايا؟
خلال اجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، أجمعت مكونات المعارضة على انتقاد ما وصفوه بـ”الردة الحقوقية” في التعامل مع حرية التعبير، مشددين على ضرورة إعادة الاعتبار لتنظيم ذاتي حقيقي للمهنة، وإخراج المجلس الوطني للصحافة من حالة الشلل.
لكن، ألم تكن هذه الأصوات جزءاً من مشهد سياسي لطالما تواطأ بالصمت مع تضييق الحريات؟ وهل يمكن فعلاً للمطالبة فقط بـ”الكفّ” أن توقف آلة قانونية تستند إلى نصوص نافذة؟
مفارقات الواقع: ترتيب دولي يتحسن.. وممارسات داخلية تتدهور؟
النائب عمر أعنان من الفريق الاشتراكي أشار إلى تقدم المغرب في مؤشر “الحرية الإنسانية” وفق معهد كاتو الأمريكي، حيث صعد إلى المرتبة 130 من أصل 165 دولة. لكن، ماذا يعني هذا التحسن الطفيف إن كان الصحافيون ما زالوا مهددين بالسجن بسبب مقالات رأي أو منشورات رقمية؟
ورغم الإشادة الدبلوماسية، فإن الواقع يكشف ـ بحسب أعنان ـ عن استمرار المحاكمات الجنائية ضد صحافيين ونشطاء، في تناقض صارخ مع روح دستور 2011، الذي نصّ على حرية التعبير كحق غير قابل للتراجع.
الإعلام بين الهشاشة البنيوية وتواطؤ الصمت
الإحصائيات التي استعرضها نواب المعارضة تشير إلى أن أكثر من 60% من الصحافيين لا يملكون عقود عمل دائمة، ويشتغلون في ظروف مهنية واقتصادية هشة. فهل يمكن لصحافي يعيش في حالة هشاشة أن يُمارس رقابة على السلطة؟ أو أن يكتب تحقيقاً استقصائياً يكشف الفساد؟
في المقابل، ما تزال مؤسسات الإعلام العمومي، حسب ملاحظاتهم، تخضع لتعيينات سياسية غير شفافة وتُستعمل كأذرع دعائية، بدل أن تكون فضاءات للتثقيف والنقاش.
المجلس الوطني للصحافة.. هل فقد بوصلته؟
من بين النقاط التي ركز عليها البرلمانيون: ضرورة إيجاد مخرج قانوني وسياسي لمعضلة المجلس الوطني للصحافة، الذي فُرض عليه التمديد بمرسوم حكومي، في وقت يفترض أن يمثل مبدأ الاستقلالية والتنظيم الذاتي. فهل لا يزال المجلس قادراً على لعب دوره كوسيط وضامن لحرية الصحافة؟ أم أنه أصبح جزءاً من مأزق أكبر يطال استقلالية المؤسسات؟
دعم الصحافة الجادة: مجرد شعار أم ضرورة وجودية؟
النواب دعوا أيضاً لإحداث صندوق خاص لدعم الصحافة الجادة والاستقصائية، معتبرين أن غياب آليات دعم شفافة يحول دون تنوع زوايا التناول ويُبقي الإعلام تحت رحمة السوق والإعلانات. لكن، هل هناك إرادة سياسية حقيقية للقطع مع منطق “شراء الولاءات” واستبداله بمنطق دعم الاستقلالية والتحقيقات المهنية؟
المعارضة بين الحقيقة والوهم: ما المطلوب اليوم؟
في ظل هذا الواقع، تبقى أسئلة عديدة معلقة:
-
ما مدى جدية المعارضة في الدفع نحو تغيير تشريعي حقيقي يحمي الصحافيين؟
-
لماذا لم تتحول هذه المطالب إلى مقترحات قوانين داخل البرلمان؟
-
من يحاسب المسؤولين الذين يهددون الصحافيين بالملاحقة دون رادع قانوني؟