ذات صلة

أحدث المقالات

الأمم المتحدة تشيد بخطة الاستجابة للاجئين في مصر

أشادت المُنسقة المُقيمة للأمم المتحدة في مصر، إلينا بانوفا،...

الوضع الإقليمي يضغط على الموارد.. مصر والأمم المتحدة تطلقان خطة الاستجابة للاجئين

أطلقت وزارة الخارجية والهجرة المصرية، بالتعاون مع المفوضية السامية...

من حرب الوثائق المفبركة إلى ارتباك الخصوم: هل بات المغرب رقماً صعباً في معادلات الإقليم؟

قراءة في خلفيات الهجمة الإعلامية على المغرب والسياق الجيوسياسي...

الخليج على صفيح ساخن: هل باتت المنطقة على أعتاب مواجهة أمريكية–إيرانية شاملة؟

قواعد أمريكية في حالة تأهب، زعماء الخليج يطالبون بضبط...

ما هو الموقف الأوروبي من حرب إسرائيل وإيران؟

تعطي الحكومات الأوروبية إسرائيل، مساحة أكبر في حربها الدائرة...

هل حاول تبون توريط كاغامي في قضية الصحراء؟ الصمت الذي حرّفه الإعلام الجزائري!

هل حاول تبون توريط كاغامي في قضية الصحراء؟ قراءة في زيارة الرئيس الرواندي للجزائر وتداعياتها الدبلوماسية

في مشهد دبلوماسي لافت، استقبلت الجزائر الرئيس الرواندي بول كاغامي في زيارة رسمية استمرت يومين، توّجت بتوقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية بين البلدين. لكن ما كان يفترض أن يكون مجرد محطة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتقني، تحوّل إلى منصة لمحاولة توظيف سياسي لقضية الصحراء المغربية، في خطوة تثير تساؤلات حول حدود اللباقة الدبلوماسية وصدقية المواقف الرسمية.

تبون يتحدث… وكاغامي لا يفهم!

في مؤتمر صحفي ختامي للزيارة، اختار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن يتحدث باللغة العربية، دون توفير ترجمة فورية للضيف الرواندي، مما حوّل اللقاء إلى ما يشبه “محادثة مع الذات”. والأكثر إثارة هو إعلان تبون، من جانب واحد، بأن رواندا والجزائر “يدعمان حق تقرير المصير في الصحراء”.

لكن هذا التصريح لم يجد له صدى في ما صدر لاحقاً عن الرئيس كاغامي. إذ اكتفى الأخير في تغريدة على حسابه الرسمي بموقع X (تويتر سابقاً) بالإشارة إلى الملفات التي تم التباحث حولها وتوقيع اتفاقيات بشأنها، وتحديداً في مجالات النقل، الزراعة، التعليم، التدريب، الاستثمار، والاتصال… دون أي ذكر لقضية الصحراء.

فهل كان الرئيس الرواندي فعلاً جزءاً من هذا الموقف؟ أم أن تبون حاول مجدداً تصدير موقف داخلي على حساب الحقيقة الدبلوماسية؟

صمت كاغامي… رفض ضمني؟

في الأعراف الدبلوماسية، الصمت أحياناً أبلغ من الكلام. فالرئيس كاغامي، الذي يُعرف بدقته في اللغة السياسية، لم يعلّق لا سلباً ولا إيجاباً على ما قاله تبون، ما يعكس رفضه غير المباشر لتوريطه في قضية إقليمية معقّدة.

ولعل الأهم من ذلك أن رواندا كانت قد سحبت اعترافها بما يسمى “الجمهورية الصحراوية” منذ سنوات، في إطار مراجعة لسياستها الإفريقية تتسم بالواقعية السياسية والاستثمار في الاستقرار، وليس في نزاعات مفتعلة. وهي خطوة وُصفت حينها في تقارير دولية مثل تقارير معهد الدراسات الأمنية الإفريقية (ISS) ومجلة African Arguments بأنها تعكس تحوّل كيغالي نحو تبني سياسة خارجية متزنة وغير صدامية.

توظيف “الضيوف” في السياسة الجزائرية

ليست هذه المرة الأولى التي تسعى فيها الجزائر إلى “قراءة النوايا” بالنيابة عن ضيوفها. إذ سبق أن نسبت مواقف داعمة للبوليساريو إلى دول إفريقية وآسيوية لم تصدر عنها أي بيانات رسمية، بل إن بعضها نفى تلك التصريحات لاحقاً. الأمر الذي يطرح سؤالاً مقلقاً: هل تحوّل الخطاب الدبلوماسي الجزائري إلى وسيلة للتأليف السياسي بدل الحوار المسؤول؟

في تقرير حديث لمنظمة Freedom House (2024)، تم التنبيه إلى اتساع هامش “التوظيف الإعلامي والسياسي” داخل النظام الجزائري، حيث تُستخدم القضايا الإقليمية لصرف الانتباه عن التحديات الاقتصادية والاجتماعية داخل البلاد.

المغرب… في موقع استراتيجي هادئ

في المقابل، يواصل المغرب تثبيت موقعه الدبلوماسي بهدوء، معتمداً على شرعية ميدانية وسياسية وقانونية واسعة في ملف الصحراء، ومسنوداً بقرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى حل سياسي واقعي وتوافقي. المغرب لم يعلّق رسمياً على مزاعم تبون، لكنه يراكم المكاسب في صمت، في ظل تنامي عدد الدول التي سحبت اعترافها بجبهة البوليساريو، وتزايد القنصليات في مدينتي العيون والداخلة.

أسئلة مفتوحة…

  • هل يعكس سلوك تبون يأساً دبلوماسياً في ظل العزلة الإقليمية التي تعيشها الجزائر بعد فشلها في إعادة قضية الصحراء إلى واجهة الاتحاد الإفريقي؟

  • لماذا يصر النظام الجزائري على نسب مواقف لزعماء لم يعبّروا عنها؟

  • وهل باتت الجزائر تفتقر إلى الحلفاء الحقيقيين حتى تلجأ إلى “التحدث باسم الآخرين”؟

ختامًا

زيارة الرئيس كاغامي للجزائر لم تكن حدثًا هامشيًا، لكنها تحوّلت إلى درس في الفارق بين الدبلوماسية الهادئة المستندة إلى الفعل، والدبلوماسية الانفعالية المعتمدة على الاستعراض. وبينما اختار كاغامي طريق التعاون الاقتصادي والتنموي، حاول تبون جرّه إلى ساحة سياسية لا تعنيه، لكن الصمت كان أبلغ من أي تصريح.

في عالم العلاقات الدولية، ليس كل صمت حيادًا… أحيانًا، يكون الصمت موقفًا واضحًا من العبث.

spot_imgspot_img