عبرت ميليسا فليمينغ، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للتواصل العالمي، عن سعادتها بالمشاركة بمنتدى مصر للإعلام، المقام حاليًا بالقاهرة.
ومنتدى مصر للإعلام هو منصة دولية سنوية مستقلة لتطوير الإعلام، مقرها القاهرة. يهدف المنتدى إلى تعزيز المعرفة وتطوير الثقافة والسياسات الإعلامية، ودعم بناء القدرات والجهات المؤهلة. نعمل على تطوير بيئة العمل الإعلامي في مصر ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما يعمل المنتدى على مدار العام كمنصة دولية للتطوير، من خلال منتجات مستدامة تهدف إلى تطوير الأدوات الإعلامية، بما في ذلك وحدة تدريب صحفي ومنصة رقمية توفر معارف متقدمة وتعتمد على دراسات معمقة.
تجدر الإشارة إلى أن نسخة المنتدى الحالية، هي النسخة الثالثة.

وفيما يلي، كلمة وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للتواصل العالمي خلال مشاركتها بالمنتدى:
الأصدقاء الأعزاء،
شرف كبير أن أُدعى لإلقاء كلمة أمام منتدى مصر للإعلام، الذي يلعب دورًا مؤثرًا كمنصة للحوار والابتكار والنزاهة في المشهد الإعلامي.
لقد ألهمتني قصة تأسيس هذا المنتدى على يد السيدة نهى النحاس وفريقها الشاب المتحمس، والذين نجتمع هنا اليوم بفضل التزامهم بالتواصل الأخلاقي والتعاون الدولي.
من الرائع أن أكون وسط أولئك الذين يُسهمون في ازدهار صناعة الإعلام: التنفيذيين، والصحفيين، وواضعي السياسات، والمؤثرين من المنطقة والعالم.
معًا، يمكننا أن نؤكد التزامنا بأعلى معايير المهنية والإبداع والتأثير، حيث يخدم الإعلام الحقيقة والمساءلة والإنسانية.
خلال اليومين القادمين، سنطرح سؤالًا مهمًا:
ماذا يمكن للصحفيين أن يقدّموا في زمن كهذا؟
زمن تتراجع فيه القدرة على التركيز، ويزداد فيه تدفق المعلومات ومع ذلك نشعر بأن لا شيء يكفي.
زمن تُشنّ فيه حروب على الحقائق والعِلم.
إن عالمنا المأزوم يحتاج إلى المعلومات الدقيقة أكثر من أي وقت مضى — لكن قليلون فقط هم من يتلقونها.
نسبة قياسية تبلغ 40 في المائة من الناس عالميًا يتجنبون الأخبار تمامًا.
أعداد هائلة تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر وحيد للمعلومات، تعتمد على خوارزميات تروّج للإثارة على حساب الحقائق، وتغوص في تدفقات محتوى مملوءة بمواد أنشأها الذكاء الاصطناعي — بعضها تافه، وبعضها مسلٍ، وبعضها مصمَّم عمدًا لإثارة الغضب وجذب الانتباه.
إن كل ذلك يجعل المتلقي يشك فيما هو حقيقي، ويجعل الحقائق تتنافس مع الأكاذيب على جذب الأنظار.
في الأمم المتحدة، نحذّر منذ سنوات من الضرر الذي يسببه هذا المناخ المعلوماتي السام: إذ يرسّخ خطاب الكراهية والعنف والتمييز، ويقوّض السلام والعمل المناخي والصحة العامة، ويُدمّر الثقة — في الإعلام، وفي المؤسسات، بل وفي الحقائق نفسها.
ثم جاء الذكاء الاصطناعي التوليدي.
بعد ثلاث سنوات فقط على إطلاق ChatGPT، نجد أنفسنا في عالم جديد تمامًا.
هذه الأدوات — التي تتطور بسرعة مذهلة — تتغلغل الآن في كل جوانب حياتنا، وتحوّل طريقة حصولنا على المعلومات، وطريقة تفكيرنا، والقرارات التي نتخذها.
وأود أن أكون صريحة جدًا: لقد تم تدريب هذه الأدوات على حساب دماء وتعب وعرق الصحفيين.
فهي تستخرج وتلخّص تقاريرهم دون إشارة أو تعويض، ومع ذلك، لا يمكن الوثوق بها لتقديم الحقائق.
تُظهر الدراسات أن ملخصات الذكاء الاصطناعي غالبًا ما تُحرّف ما أثبته الصحفيون بدقة عبر سنوات من التدريب والخبرة.
هؤلاء الصحفيون الذين يقضون ساعات في البحث والمقابلات والتحقق، ويخاطرون بحياتهم في أكثر الفترات دموية في تاريخ المهنة.
ومع ذلك، يجب أن نعترف بالواقع: الجماهير تتبنّى هذه الأدوات المعيبة،
حتى مع أن أكثر من نصف المستخدمين يقولون إنهم لا يثقون بها.
تطبيق ChatGPT وحده يزعم أن لديه 700 مليون مستخدم نشط أسبوعيًا — أي نحو 10٪ من البالغين حول العالم.
ملخصات الذكاء الاصطناعي تتصدر الآن نتائج جميع محركات البحث الكبرى، وأعداد متزايدة من الشباب يعتمدون على المساعدات الذكية كمصدر للأخبار.
كل هذه الاتجاهات تُضعف حركة المرور إلى المواقع الإخبارية، وتُفاقم أزمة التمويل في المؤسسات الإعلامية المنهكة أصلًا.
من الواضح أننا لا نستطيع الاستمرار على هذا النحو.
فمستقبلنا المشترك على المحك.
ونحن بحاجة إلى الحقائق لبناء الثقة،
وبحاجة إلى الثقة لبناء واقع مشترك، وبحاجة إلى واقع مشترك لمواجهة التحديات الوجودية التي تواجه الإنسانية.
ونعتمد على الصحفيين المحترفين لتقديم هذه الحقائق.
في الأمم المتحدة، انتقلنا من التركيز فقط على الأضرار — كالمعلومات المضللة وخطاب الكراهية — إلى وضع خطة لمشهد معلوماتي صحي، تتجسد في المبادئ العالمية لنزاهة المعلومات.
ويقع في قلب هذه الرؤية إعلام يخدم المصلحة العامة ويكون قويًا ومستدامًا اقتصاديًا،
وصحفيون مهنيون يعملون بنزاهة، ويوصلون الحقائق إلى العالم.
هذا العمل الإعلامي الجاد هو الترياق للسمّ الذي يغمر بيئتنا المعلوماتية.
ومن الضروري أن نضمن ليس فقط بقاء هذا الإعلام، بل استدامته في المستقبل.
هناك مؤشرات تبعث على الأمل:
مؤشرات على أن الجماهير تعود إلى المصادر الموثوقة — إلى صحفييكم — حين تفقد الثقة في ما تراه على شاشاتها.
ومؤشرات على أن مؤسسات الأخبار تتحد للمطالبة بتعويض من شركات الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على محتواها لتصبح أكثر ذكاء.
لهذا، أحثكم جميعًا على مواصلة الدفاع عن قيمة الصحافة المهنية في هذا العصر،
وابتكار طرق لتعزيز استدامتها الاقتصادية في زمن الذكاء الاصطناعي، والوحدة في خدمة الحقيقة.



