فرنسا تسعى لإعادة بناء علاقاتها مع الدول الإفريقية بصعوبة في قارة تشكك شريحة متزايدة من سكانها في وعود الرئيس ماكرون بتغيير نهجه الدبلوماسي بشكل جذري.
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاثنين أنه سيواصل “المضي قدما” لتعزيز علاقة فرنسا بكل من الجزائر والمغرب، بعيدا من “الجدل” الراهن.
وقال ماكرون خلال مؤتمر صحافي تناول فيه استراتيجيته في إفريقيا “سنمضي قدما. المرحلة ليست الأفضل لكن هذا الأمر لن يوقفني”، منتقدا من “يحاولون المضي في مغامراتهم” ولديهم “مصلحة بألا يتم التوصل” الى مصالحة مع الجزائر.
بعد سنوات من التوتر..ماكرون يسعى للتهدئة وإعادة بناء العلاقات مع المغرب ويُغازل الجزائر pic.twitter.com/KNNv1Skgxb
— المغرب الآن Maghreb Alan (@maghrebalaan) February 28, 2023
وأضاف: “هناك دائما أشخاص يحاولون أن يستغلوا الظروف، مثل فضائح التنصت في البرلمان الأوروبي التي كشفتها الصحافة”.
وفي توصية جرى إقرارها بغالبية كبيرة نهاية يناير/ كانون الثاني، حض البرلمان الأوروبي السلطات المغربية على “احترام حرية التعبير وحرية الإعلام” ووضع حد لـ”المضايقة التي يتعرض لها الصحافيون”. كما أعرب عن “قلقه العميق” من “الادعاءات التي تفيد بأن السلطات المغربية أفسدت أعضاء في البرلمان الأوروبي”.
ورأت بعض الأصوات في المغرب أن فرنسا تقف وراء توصية البرلمان الأوروبي، فيما كانت العلاقات متوترة أصلا بين باريس والرباط، خصوصا في ما يتعلق بوضع الصحراء.
وقال الرئيس الفرنسي: “هل كان ذلك صنيعة حكومة فرنسا؟ كلا!، هل صبّت فرنسا الزيت على النار؟ كلا!، يجب أن نمضي قدما رغم هذه الخلافات”.
من جهتها، استدعت الجزائر سفيرها لدى فرنسا “للتشاور” في 8 فبراير/ شباط، للاحتجاج على “الدخول غير القانوني” عبر تونس للناشطة الفرنسية الجزائرية أميرة بوراوي.
وتابع ماكرون: “أعلم أنه يمكنني الاعتماد على صداقة والتزام الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. سنحرز تقدما معه أيضا”.
ودعا ماكرون إلى التحلي بـ”التواضع” و”المسؤولية”، رافضا “المنافسة” الاستراتيجية التي يفرضها، بحسب قوله، من يستقرون هناك مع “جيوشهم ومرتزقتهم” في أفريقيا.
وقال ماكرون، في إشارة إلى روسيا ومجموعة “فاغنر” العسكرية المقربة من الكرملين والمنتشرة خصوصا في أفريقيا الوسطى ومالي رغم نفي باماكو ذلك: “يريد كثر دفعنا للدخول في منافسة، اعتبرها مفارقة تاريخية (…) يصل البعض مع جيوشهم ومرتزقتهم إلى هنا وهناك”.
وأضاف: “إنها طريقة فهمنا المريحة للواقع في الماضي. قياس تأثيرنا من خلال عدد عملياتنا العسكرية، أو الاكتفاء بروابط مميزة وحصرية مع قادة، أو اعتبار أن أسواقا اقتصادية هي أسواقنا لأننا كنا هناك من قبل”.
وتابع ماكرون، خلال الكلمة التي ألقاها من قصر الإليزيه الاثنين عشية جولة أفريقية: “يجب أن نبني علاقة جديدة متوازنة ومتبادلة ومسؤولة” مع دول القارة الأفريقية.
ويباشر الرئيس الفرنسي، الأربعاء، جولة تشمل أربع دول في وسط أفريقيا، هي الغابون وأنغولا والكونغو وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وخلال محطته الأولى في ليبرفيل، سيشارك في قمة حول حفظ غابات حوض نهر الكونغو.
وتأتي الجولة بعد ما يزيد قليلا عن أسبوع من قيام بوركينا فاسو بإنهاء اتفاق عسكري سمح لفرنسا بقتال المسلحين في الدولة الواقعة في غرب أفريقيا لتصبح أحدث دولة أفريقية ترفض مساعدة باريس.
وسحبت فرنسا قواتها من مالي العام الماضي بعد أن بدأ المجلس العسكري هناك العمل مع متعاقدين عسكريين روس.
وانتشرت أيضا مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة في جمهورية أفريقيا الوسطى مما أثار مخاوف في باريس من استعانة دول أخرى بهذه المجموعة في وقت تحاول فيه الدول الغربية حشد الضغط ضد روسيا بشأن غزوها لأوكرانيا.
وقال ماكرون إنه فخور بالسجل العسكري الفرنسي في مالي ولن يسمح بأن تصبح فرنسا كبش فداء لتدهور الوضع الأمني في منطقة الساحل حيث أحرز المتمردون الإسلاميون تقدمان مضيفا أن “دور فرنسا ليس إصلاح كل المشاكل في أفريقيا”.
ويحاول الرئيس الفرنسي بذلك الالتفاف على الإخفاق في كبح تمدد التنظيمات الإرهابية، فيما تثار في الداخل الفرنسي سجالات سياسية حول فشل مهمة قوة برخان وكيف أنها جاءت بنتائج عكسية، ففي الوقت الذي يفترض فيه أن يتراجع نفوذ تلك الجماعات أصبحت أقوى وأكثر تنظيما ووسعت من نطاق انتشارها.
وقال ماكرون أيضا إن الدول الأفريقية ستتوقف في النهاية عن اللجوء إلى مجموعة فاغنر لأنها ستعرف أنها لا تنشر سوى الشقاء فقط، مضيف أنها “مجموعة من المرتزقة المجرمين والتأمين على حياة أنظمة فاشلة وانقلابيين”.
واتهم ماكرون روسيا بتغذية دعاية مناهضة لباريس في أفريقيا لخدمة طموحات “عدوانية”. وقال إنه رفض الانجرار إلى منافسة عفا عليها الزمن بين قوى عدوانية ويشعر بأنه “لا حنين للفرانكفريقية” التي تمثل العلاقات الغامضة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة التي شهدت في بعض الأحيان دعم باريس لأنظمة استبدادية.