ذات صلة

أحدث المقالات

مستقبل الحكومة المغربية بين الشرعيتين الانتخابية والدستورية: تحليل نقدي لرؤية د. الحسن عبيابة

في مقالته الأخيرة، تحت عنوان "مستقبل الحكومة بين السياق الانتخابي...

“سفارة المغرب بواشنطن: بين الاعتراف الأمريكي وغياب الدبلوماسية النشطة – هل تُهدر الفرص الذهبية؟”

تشكل الدبلوماسية المغربية حجر الزاوية في تعزيز مكانة المملكة...

عبد المجيد تبون في حوار “لوبينيون”: بين التطبيع مع إسرائيل وتسليح البوليساريو.. أين تقف الجزائر؟

في حواره الأخير مع صحيفة “لوبينيون” الفرنسية، كشف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن مواقف مثيرة للجدل، تتراوح بين قبول التطبيع مع إسرائيل لتجنب إغضاب إدارة ترامب، والإقرار الضمني بتسليح جبهة البوليساريو. هذه التصريحات لم تكن مجرد حديث عابر، بل حملت في طياتها إشارات سياسية ودبلوماسية عميقة، تعكس التحديات التي تواجه الجزائر في علاقاتها الإقليمية والدولية. فما هي الأبعاد الحقيقية وراء كلمات تبون؟ وهل تعكس هذه التصريحات تحولًا في السياسة الخارجية الجزائرية؟

التطبيع مع إسرائيل: بين الخوف من ترامب والواقعية السياسية

أثار تبون دهشة الكثيرين عندما تحدث عن قبول التطبيع مع إسرائيل، مشيرًا إلى أن ذلك قد يكون ضروريًا لتجنب إغضاب إدارة ترامب. هذا الموقف يبدو متناقضًا مع الخطاب التقليدي للجزائر، التي كانت داعمةً قويةً للقضية الفلسطينية ورفضت التطبيع مع إسرائيل لعقود. فهل يعكس هذا التحول تغيرًا في الأولويات الاستراتيجية للجزائر؟ أم أنه مجرد تكتيك دبلوماسي لتحقيق مكاسب مؤقتة؟

من الواضح أن تبون يحاول إيجاد توازن دقيق بين الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة، التي تعد شريكًا اقتصاديًا وعسكريًا مهمًا، وبين الحفاظ على صورته كزعيم عربي يدعم القضايا العربية التقليدية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يمكن للجزائر أن تبرر التطبيع مع إسرائيل في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية؟ وهل سيؤثر هذا الموقف على مكانة الجزائر الإقليمية، خاصة في ظل تنافسها مع المغرب على الزعامة في شمال إفريقيا؟

تدريبات عسكرية مغربية-إسرائيلية: لعبة الشطرنج الجزائرية

في محاولة لإظهار “عداوة” المغرب، أشار تبون إلى أن الجيش المغربي يجري تدريبات عسكرية مع الجيش الإسرائيلي على الحدود الجزائرية، واصفًا ذلك بأنه “تناقض مع حسن الجوار”. لكنه تجاهل حقيقة أن هذه التدريبات كانت جزءًا من مناورات “الأسد الإفريقي” التي تنظمها القوات المسلحة الملكية المغربية بالتعاون مع القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم”، والتي شاركت فيها عدة دول حليفة للولايات المتحدة، بما في ذلك تونس.

هذا التصريح يثير تساؤلات حول دوافع تبون: هل كان يحاول استغلال القضية الإسرائيلية لتشويه صورة المغرب؟ أم أنه كان يسعى إلى تعزيز موقف الجزائر كدولة تدعم القضايا العربية في مواجهة التطبيع؟ والأهم من ذلك، كيف يمكن تفسير هذا التركيز على التدريبات العسكرية المغربية-الإسرائيلية في وقت تجري فيه الجزائر نفسها مناورات عسكرية مع روسيا، وهي دولة تُعتبر خصمًا استراتيجيًا للولايات المتحدة؟

تسليح البوليساريو: اعتراف صريح أم تلميح سياسي؟

في واحدة من أكثر التصريحات إثارة للجدل، أقر تبون بأن الجزائر تمتنع حاليًا عن تسليم أسلحة لعناصر جبهة البوليساريو، مما يشير إلى أن بلاده هي المصدر الرئيسي للأسلحة للميليشيات الانفصالية. هذا الاعتراف، وإن كان غير مباشر، يضع الجزائر في موقف محرج، خاصة وأنها تدعي دائمًا أنها “ليست طرفًا في النزاع” حول الصحراء الغربية.

هنا يبرز سؤال محوري: إذا كانت الجزائر تزود البوليساريو بالأسلحة، فكيف يمكنها أن تبرر دورها كوسيط محايد في النزاع؟ وهل يعكس هذا الاعتراف تغيرًا في استراتيجية الجزائر تجاه القضية، خاصة في ظل الضغوط الدولية المتزايدة لحل النزاع بشكل سلمي؟

العلاقات الجزائرية-المغربية: صراع القرن العشرين في القرن الحادي والعشرين

لا يزال تبون يعيش في ظل صراعات الماضي، حيث استحضر أحداث حرب الرمال عام 1963 لتبرير التوترات الحالية مع المغرب. كما عاد إلى قرار المغرب بفرض التأشيرة على الجزائريين عام 1994، متجاهلًا أن الرباط ألغت هذا القرار منذ أكثر من 20 عامًا. هذا النهج يعكس غرق النظام الجزائري في ذكريات الماضي، بدلًا من التطلع إلى المستقبل.

لكن السؤال الأهم هو: هل يمكن للجزائر والمغرب تجاوز هذه الخلافات التاريخية والتركيز على بناء علاقات تعاونية في ظل التحديات الإقليمية والدولية المشتركة؟ خاصة وأن تبون نفسه أقر بأن الوضع الحالي “غير طبيعي” ووصفه بـ”لعبة الشطرنج”، معربًا عن رغبته في إنهاء هذا الوضع.

السياق العام: الجزائر بين الماضي والمستقبل

تصريحات تبون تعكس حالة من التردد والتناقض في السياسة الخارجية الجزائرية. فمن ناحية، يحاول تبون إظهار الجزائر كدولة تدعم القضايا العربية التقليدية، مثل القضية الفلسطينية، ومن ناحية أخرى، يبدو مستعدًا لتقديم تنازلات قد تتعارض مع هذه المبادئ، مثل التطبيع مع إسرائيل.

في الوقت نفسه، يبدو أن تبون يعاني من صعوبة في التكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية، حيث لا يزال يعيش في ظل صراعات القرن العشرين، بدلًا من مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين. هذا الوضع يضع الجزائر في مأزق، خاصة في ظل تنافسها مع المغرب، الذي نجح في تعزيز علاقاته مع الولايات المتحدة وإسرائيل، بينما تبدو الجزائر عالقة بين الماضي والمستقبل.

خاتمة: هل يمكن للجزائر الخروج من المأزق؟

حوار تبون مع “لوبينيون” يكشف عن تحديات كبيرة تواجه الجزائر في سياستها الخارجية. فبين محاولة إرضاء الولايات المتحدة والحفاظ على المبادئ العربية التقليدية، وبين إدارة الصراع مع المغرب ودعم البوليساريو، تبدو الجزائر عالقة في شبكة معقدة من التناقضات.

السؤال الذي يبقى معلقًا هو: هل يمكن للجزائر أن تعيد صياغة سياستها الخارجية بشكل يتناسب مع المتغيرات الحالية؟ أم أنها ستستمر في العيش في ظل صراعات الماضي، مما قد يعيق تقدمها على الساحة الإقليمية والدولية؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل الجزائر في السنوات القادمة.

spot_imgspot_img