كانت العلاقات بين واشنطن وبغداد قد وصلت لدرجة توتر غير مسبوقة بالسنة الأخيرة من ولاية دونالد ترامب الأولى، بعدما أمر سيد البيت الأبيض فجر يوم 3 يناير (كانون الثاني) 2020، بتنفيذ عملية نوعية بالطائرات المسيرة، أدت لمقتل، أبو مهدي المهندس، نائب قائد قوات الحشد الشعبي العراقي، وقاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، بعد دخول الأخير لبلاد الرافدين عبر مطار بغداد الدولي ثم سير الاثنين معًا في موكب نحو اجتماع خاص وخيوط الصباح تتشابك في سماء عاصمة الرشيد.
العملية تلك جاءت ردًا على النشاط المتزايد ضد القوات الأمريكية بالعراق، فيما اعتبرت واشنطن حينها أن تزايد هذا النشاط يعود للتنسيق المستمر بين فصائل عراقية على رأسها الحشد الشعبي بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني، والهادف لإحراج إدارة ترامب خارجيًا وداخليًا.
وكان من النتائج المباشرة لاغتيال المهندس وسليماني، صدور قرار البرلمان العراقي بعد 48 ساعة من الواقعة، بإنهاء وجود القوات الأمريكية بالعراق، وهو قرار لم تنفذه حكومة الرافدين خشية استفزاز الأمريكي الغاضب لدرجة زائدة عن اللزوم.
ومع عودة ترامب للسلطة، تظل العلاقات بين أمريكا والعراق أو بين العراق وأمريكا، ضرورية للطرفين، وبالرغم من الألغام التي ترقد تحتها.
مصالح أمريكية وتحديات عراقية
تضمن أمريكا مصالحها بالعراق عبر الاتفاقية الاستراتيجية التي وقعتها مع حكومة رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي في 2008، وهي اتفاقية تشمل مجالات السياسة والدفاع والأمن والطاقة وغير ذلك.
وتريد واشنطن من بغداد بموجب هذه الاتفاقية، تقليص النفوذ الإيراني بمؤسسات صنع القرار العراقية، واستمرار تدفق موارد الطاقة من البلد العربي المأزوم للولايات المتحدة وحلفائها، ولا جدال أن هذا الأمر صار أكثر أهمية في ظل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ثم تحجيم نشاط الفصائل المسلحة المدعومة من طهران بأرض النهرين.
وهذا بالنسبة لواشنطن، أما بالنسبة لبغداد، فإنها بحاجة للدعم السياسي الأمريكي باعتباره أحد ركائز حفظ الاستقرار بالعراق، بالإضافة لما يعنيه تلكما الدعم للسياسة الخارجية العراقية الساعية للانفتاح تجاه العالم.
يريد العراقيين أيضًا، وفاء الأمريكيين بالتزامهم بإنهاء مهمة قوات التحالف الدولي بالعراق واستبدالها باتفاقية ثنائية عراقية – أمريكية، وبجانب بقاء صلات القطاعات المصرفية بالبلدين ببعضهما لأنها أهم قناة تحصيل لعائدات النفط العراقية المباع بالخارج، وكذا الاستفادة من الخبرات الأمريكية في تطوير بنية العراق التحتية المتهالكة.
ألغام ترقد تحت العلاقات
تعد العلاقات العراقية – الإيرانية في مجال الطاقة وعلى رأسها الكهرباء والغاز، هامة جدًا للحياة اليومية لأهل العراق بالوقت الراهن، وقد أدت عقوبات إدارة ترامب الأخيرة ضد قطاع الطاقة الإيراني وإلغاء الإعفاءات، لإحباط الحكومة العراقية وتركت آثارًا سلبية لدى المؤسسات ببغداد.
كما يظل نشاط الفصائل المسلحة العراقية ذات العلاقات مع الجمهورية الإيرانية، يثير غضب واشنطن، وبالأخص وهي تحاول رسم خريطة سياسية جديدة للمنطقة بعد حرب غزة، ومع الوضع بالاعتبار وجود عمليات غسيل أموال وتهريب مرتبطة بهذا النشاط.
ويجب العلم أن انتقال الشراكة بين واشنطن وبغداد من مستوى قوات التحالف إلى مستوى الاتفاقية الأمنية الثنائية وبقاء قوات أمريكية بالعراق، أمرٌ تنظر إليه هذه الفصائل بتحفظ كونها – من وجهة نظرها – قوات احتلال غربية تفرض وجودها بالقوة ويمتد تأثيرها لمؤسسات صناعة السياسة العراقية.