بين التضامن الصادق والتحريض الأعمى: المغرب يُنقذ الأرواح في إسبانيا.. ويُشيطن مواطنوه في توري باتشيكو
من توري باتشيكو إلى فالنسيا.. دروس الكرامة والغدر
بينما كانت الجالية المغربية في منطقة مورسيا تتعرض لهجوم عنصري وتحريض ممنهج، بعد حادثة اعتداء غامضة على رجل مسن، كان المغرب – ملكًا وشعبًا – يمدّ يد العون للدولة الإسبانية التي التزمت الصمت أمام هذا التصعيد الممنهج، بل سمحت بتحوله إلى حملة شيطنة سياسية وإعلامية مكشوفة.
الاعتداءات الممنهجة والتحريض ضد الجالية المغربية في توري باتشيكو، واستغلال حادث معزول لتحويل المغاربة إلى كبش فداء سياسي. pic.twitter.com/6JXJ4qkxLd
— Diplomatique.ma الدبلوماسية (@diplomatique_ma) July 13, 2025
ففي الوقت الذي كانت فيه الجالية المغربية تُتهم زورًا، وتُقدّم على أنها خطر محتمل، دون أدلة أو محاكمات، كانت فرق مغربية تجوب مناطق الفيضانات في فالنسيا، تحمل معها رسائل إنسانية بتعليمات ملكية، وشاحنات مغربية تعبر البحر نحو الجارة الشمالية، محمّلة بالمساعدات وفرق الإغاثة.
توري باتشيكو تحت نار الكراهية: من الجريمة إلى التطهير الرمزي
توري باتشيكو، البلدة التي عُرفت لعقود بتعايشها بين الإسبان والمهاجرين، تحولت فجأة إلى ساحة تحريض مفتوحة، بعد إصابة مسن يُدعى “دومينغو” في اعتداء لم يُعرف مرتكبوه إلى اليوم. ورغم ذلك، انتشرت فيديوهات مفبركة، وصور كاذبة نُسبت زورًا لمغاربة، وتم ترويجها عبر شبكات يمينية متطرفة، يقودها حزب “فوكس”.
ماكينة الكراهية تحركت بسرعة مذهلة، لتخلق مشهدًا تحريضيا مشحونا، بلغ ذروته حين ظهر زعيم “فوكس” في المدينة، ملوّحًا بخطابات طرد جماعي، واتهامات مفبركة تشمل: الاعتداء، الاغتصاب، ونشر الرعب. بل تم استقدام عناصر متطرفة من خارج البلدة بـ”نية الانتقام”، دون أي تدخل رسمي إسباني لإيقاف التصعيد أو حتى مساءلة المحرّضين.
وفي الجهة الأخرى من إسبانيا… المغرب يُنقذ الأرواح
في نفس الأيام، وبينما كانت الكراهية تُنشر بلا حدود، ضربت الفيضانات مناطق عدة في جنوب شرق إسبانيا، خاصة إقليم فالنسيا، متسببة في مقتل العشرات، بينهم خمسة مغاربة حسب القنصلية المغربية، ومئات المفقودين.
بأوامر سامية من الملك محمد السادس، أرسلت المملكة المغربية 25 شاحنة من نوع “كوبا”، وأكثر من 70 فردًا من فرق الإغاثة، عبر ميناء موتريل، لمساندة الشعب الإسباني.
رسالة التضامن المغربي كانت واضحة: نحن لا نرد على الكراهية بالكراهية، بل بالإنسانية.
ازدواجية المعايير: تضامن من طرف واحد؟
لكن السؤال المؤلم الذي يفرض نفسه:
لماذا لم يصدر أي موقف رسمي إسباني واضح يدين حملات التحريض ضد الجالية المغربية، رغم وضوح الزيف والتحريض، ووجود تحقيقات صحفية تؤكد تزوير الفيديوهات والصور؟
كيف تقبل دولة ديمقراطية مثل إسبانيا هذا الخطاب العنصري الممنهج في الفضاء العام دون محاسبة؟
وهل يُنتظر من المغرب أن يقدم التضحيات كل مرة، دون حتى كلمة امتنان أو موقف تضامني من السلطات الإسبانية حين يُستهدف أبناؤه؟
هل الجالية المغربية فقط للعمل والضرائب؟
يتكرر هذا المشهد في أكثر من مدينة: الجالية المغربية أول من يُطلب منه دفع الضريبة، وأول من يُزجّ به في دوامة الاتهام عند أول حادثة.
لكنها آخر من يُدافع عنها رسميًا، وآخر من يُذكر في خطاب التضامن.
فهل الجالية المغربية تُحسب على “الداخل” حين تدفع، وعلى “الخارج” حين تُهان؟
أم أن هناك من يرى فيها فقط “عاملًا اقتصاديا” لا “مواطنا كاملا”؟
رسالة إلى مدريد: الكرامة لا تُقابل بالصمت
إذا كان المغرب قد تصرّف كدولة مسؤولة، وأثبت أنه لا يخلّ بواجباته تجاه جيرانه، فإن على إسبانيا أن تُثبت أنها تستحق هذا الجوار.
فالتحريض الذي عرفته توري باتشيكو لا يجب أن يمرّ مرور الكرام.
والتضامن لا يظل نبيلا إذا قُوبل بالتجاهل.
خاتمة: بين من يُطفئ النار ومن يشعلها
في بلد واحد، وفي أسبوع واحد، رأينا من يُغيث الأرواح ويزيل آثار الدمار، ومن يُشعل نيران الفتنة ويهدم أسس التعايش.
المغرب اختار أن يكون في صف الإنسانية، بينما اختار “فوكس” ومن وراءه طريق الظلام.
لكن تظل الحقيقة واضحة:
الكرامة لا تُشترى بالمساعدات، ولا يُغفر الصمت في زمن المحنة.