عقد مركز الأمم المتحدة للإعلام بالقاهرة، اليوم الثلاثاء، لقاءا إعلاميًا خاصًا بمناسبة خطاب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، والذي حمل عنوان: الفرصة سانحة للتعجيل بعصر الطاقة النظيفة.
وقد هدف اللقاء إلى متابعة بث خطاب الأمين العام عبر تلفزيون الأمم المتحدة، ثم تلى متابعة بث الخطاب، عقد مناقشة مفتوحة مع الصحفيين والإعلاميين.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش في خطابه، إننا نعيش الآن في فجر عصر الطاقة الجديد، عصر تغذي فيه الطاقة النظيفة الوفيرة الرخيصة عالمًا غنيًا بالفرص الاقتصادية، موكدًا أن عصر الوقود الأحفوري يتداعى وينهار.
وركز خطاب الأمين العام على قصة مفعمة بالأمل تلوح في الأفق وسط الدمار والاضطرابات المناخية المستمرة: قصة عصر طاقة جديد. كما قدّم عرضًا مدعومًا بالأدلة لضرورة التحول العادل من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة، والفوائد الجمة التي سيجلبها ذلك للبشر والاقتصادات.
وأكد غوتيريش على أن مستقبل الطاقة النظيفة لم يعد مجرد وعد، بل هو حقيقة واقعة، وليس بإمكان أي حكومة أو صناعة أو مصلحة خاصة أن توقفه.
وأضاف قائلًا: “وبطبيعة الحال، سيحاول أنصار الوقود الأحفوري وقفه – ونحن نعلم إلى أي مدى سيذهبون. ولكنني على يقين تام من خيبة مسعاهم – لأننا تجاوزنا نقطة اللاعودة”.
نمو الإنفاق على الطاقة النظيفة
أشار الأمين العام إلى أن العام الماضي شهد إنفاق تريليوني دولار للطاقة النظيفة، أي بزيادة قدرها 800 مليار دولار عما أنفق على الوقود الأحفوري، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 70% تقريبًا في 10 سنوات.
كما أشار إلى بيانات أصدرتها الوكالة الدولية للطاقة المتجددة والتي تُظهر أن أكثر من 90% من المصادر الجديدة للطاقة المتجددة في جميع أنحاء العالم تُنتج الكهرباء بتكلفة أقل من أرخص بدائل الوقود الأحفوري الجديدة. وأضاف قائلًا: “هذا ليس مجرد تحول في التأثير. إنه تحول في الإمكانية، وفي جهود إصلاح علاقتنا بالمناخ”.
اتفاق باريس وشرارة ثورة الطاقة النظيفة
أعلن الأمين العام عن إصدار تقرير خاص اليوم الثلاثاء، بدعم من وكالات الأمم المتحدة وشركائها، والذي يبين مدى التقدم الذي أحرز خلال العقد الذي انقضى منذ أن أشعل اتفاق باريس شرارة ثورة الطاقة النظيفة، ويُسلط الضوء على الفوائد الهائلة والإجراءات اللازمة لتسريع عملية الانتقال العادل للطاقة عالميا.
وقال غوتيريش إن جُّل القدرات الإنتاجية الجديدة للطاقة التي تم بناؤها العام الماضي جاءت من مصادر الطاقة المتجددة، وإن جميع القارات أضافت قدرات طاقة متجددة أكثر مما أضافته من الوقود الأحفوري.
وأضاف أن هذا يعود إلى ثلاثة أسباب قوية، أولها اقتصادات السوق، حيث إن الطاقة المتجددة مجدية اقتصاديا. وأكد أن النمو الاقتصادي لم يعد مرتبطا بارتفاع الانبعاثات، ومع ذلك لا يزال الوقود الأحفوري يتمتع بميزة الحصول على دعم استهلاكي من الموازنة العامة بنسبة 1 إلى 9 على مستوى العالم وهو تشويه واضح للسوق، حسبما قال.
وقال: “البلدان التي تتشبث بالوقود الأحفوري لا تحمي اقتصاداتها – بل تدمرها. وتزيد التكاليف. وتقوض القدرة التنافسية. وتمعن في تعطيل الأصول. وتفوت أكبر فرصة اقتصادية في القرن الحادي والعشرين”.
السبب الثاني وراء هذا الصعود في مصادر الطاقة المتجددة، وفقًا للأمين العام، هو أن مصادر الطاقة المتجددة وجدت لتبقى لأنها أساس أمن الطاقة والسيادة. وعن ذلك قال الأمين العام: “لنكن واضحين، فإن أكبر تهديد لأمن الطاقة اليوم هو الوقود الأحفوري. فهو يبقي الاقتصادات والشعوب تحت رحمة صدمات الأسعار واضطرابات العرض والاضطرابات الجيوسياسية. تأملوا فقط غزو روسيا لأوكرانيا. لقد أدت الحرب في أوروبا إلى أزمة عالمية في الطاقة. إذ حلقت أسعار النفط والغاز وتبعها ارتفاع فواتير الكهرباء والطعام”.
وأوضح الأمين العام أن الاقتصادات الحديثة والتنافسية تحتاج إلى طاقة مستقرة وبأسعار معقولة، مشيرًا إلى أن مصادر الطاقة المتجددة توفر كلا الأمرين، “فأسعار أشعة الشمس لا ترتفع ولا يوجد حظر على الرياح. ويمكن لمصادر الطاقة المتجددة أن تضع الطاقة – بالمعنيين الحرفي والمجازي – في أيدي الناس والحكومات”، بحسب قوله.
السبب الثالث والأخير لعدم التراجع عن مصادر الطاقة المتجددة هو سهولة الوصول إليها. وفي هذا السياق، قال الأمين العام إنه يمكن نشر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بشكل أسرع وأرخص وأكثر مرونة من الوقود الأحفوري.
وأضاف قائلًا: “إذا كان من غير الممكن بناء محطة فحم في الفناء الخلفي لمنزل ما، فإن من الممكن توصيل الألواح الشمسية إلى أبعد قرية نائية على وجه الأرض”.
فرصة يجب اغتنامها
برغم تأكيد أنطونيو غوتيريش أن التحول في مجال الطاقة لا سبيل إلى وقفه، إلا أنه نبه إلى أن هذا التحول لا يتم بسرعة كافية أو بعدالة كافية. وحذر من أن أزمة المناخ تزهق الأرواح وتقضي على سبل العيش، مشيرًا إلى أن الوفاء بهدف حصر ارتفاع درجة الحرارة في حدود في حدود 1.5 درجة مئوية المحدد في اتفاق باريس أصبح في خطر غير مسبوق.
وتابع الأمين العام قائلًا: “ولإبقاء هذا الهدف في المتناول لابد من أن نعجل كثيرًا من وتيرة الحد من الانبعاثات وتحقيق التحول إلى الطاقة النظيفة. ومع تسارع قدرات التصنيع وانخفاض الأسعار بشدة واقتراب موعد انعقاد مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ في دورته الثلاثين، تلوح أمامنا فرصة جديرة بالاغتنام ولابد من اغتنامها”.
وشدد على أن الخطط الوطنية الجديدة للمناخ، والمقرر صدورها في غضون أشهر، يجب أن تُضفي الوضوح واليقين على التحول في مجال الطاقة، ويجب على دول مجموعة العشرين، التي تُنتج 80% من الانبعاثات العالمية، أن تقود الطريق.
أنظمة تواكب العصر
كما دعا غوتيريش إلى بناء أنظمة طاقة للقرن الحادي والعشرين، بما في ذلك من خلال الاستثمار في شبكات حديثة ومرنة ورقمية، وشبكات تخزين الطاقة وشحنها.
وأضاف أن هناك فرصة سانحة لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة بشكل مستدام من خلال الطاقة المتجددة، مشددًا على أن عصر الطاقة النظيفة يجب أن يوفر الإنصاف والكرامة والفرص للجميع.
وقال إن الدول الملتزمة بعصر الطاقة الجديد يجب أن تتكاتف لتعزيز انتقال الطاقة، من خلال بناء سلاسل إمداد متنوعة وآمنة ومرنة، وخفض التعريفات الجمركية على سلع الطاقة النظيفة، وفتح الاستثمار والتجارة – بما في ذلك من خلال التعاون فيما بين بلدان الجنوب، وتحديث معاهدات الاستثمار القديمة.
على الرغم من الطلب المتزايد والإمكانات الهائلة للطاقة المتجددة، قال أنطونيو غوتيريش إن الدول النامية تُستبعد من عملية انتقال الطاقة. وقال: “يجب ألا يكون السباق نحو الجديد سباقا للقلة، بل يجب أن يكون سباقا تتابعيا مشتركا وشاملا وعصيا على الانهيار”.
واختتم أمين عام الأمم المتحدة كلمته بالقول: “لدينا الأدوات اللازمة لدفع عجلة المستقبل لصالح البشرية. دعونا نحقق أقصى استفادة منها. هذه فرصتنا التي يتعين ألا نفوتها”.