بالتأكيد عبر أمين معلوف، الرئيس الدائم الحالي للأكاديمية الفرنسية، بجدارة عن التنوع في بلاد الشرق وآفة التآكل التي أصابته على مدار عشرات السنوات الماضية.
وأمين معلوف قبل أن يكون مواطنًا فرنسيًا يشغل هذه الدرجة العلمية العالية ويجلس على كرسي هام على ضفاف نهر السين، هو عربي لبناني ومسيحي ماروني، عمل محررًا اقتصاديًا بجريدة النهار البيروتية ويعشق نبيذ الكرم الفرنسي منه واللبناني.
كان لي حظًا في قراءة مؤلفات أمين معلوف عدة مرات، ولقد تعرفت من خلال مؤلفها الذي لعب أيضًا دور الشاهد، كيف لعبت موجات التسلط ضد الأقليات في بلادنا على إدخالها ضمن حالة تشبه تصحر الأراضي الخضراء التي تهملها أيدي الفلاحين وتزحف عليها الرمال الصفراء التي تحيط بنا من كل جانب وتود لو أن تدفننا تحتها وتدفن معنا تراثنا وثقافتنا وتسامحنا، وتلك الأشياء ميراث نزل عرق الأجداد في جمعه، ونزل عرقهم في المحافظة عليه، ثم نزل عرقهم كي يصل إلينا، ولكن بعدما صار في أيدينا حسدنا عليه من بالخارج ومن بالداخل.
المهم، قبل منتصف ليل يوم من أيام الشهر الماضي (يوليو/ تموز/ يوليوز)، تلقيت اتصالًا من فنانًا بوهيميًا هو أحمد هاشم، وهو أخ وصديق وزميل عزيز، عملنا معًا في مهنة المتاعب الصحافة لنحو 10 سنوات، وكان يدعوني في الاتصال لحضور احتفالية تكريمه من المهرجان المصري الأمريكي للسينما والفنون، برئاسة الكاتب صفوت يوسف، بمركز الإبداع بدار الأوبرا المصرية بالقاهرة، عن فيلمه القصير: حواديت يهود مصر.
وفيلم حواديت يهود مصر، هو عبارة عن عدد من الشهادات والمعلومات عن طائفة اليهود في مصر والتي انحصر وجودها بالمحروسة بعد قيام ثورة يوليو 1952 وتزامنها مع نشوب الصراع العربي – الصهيوني على الأرض المقدسة – فلسطين.
كذلك فإن الفيلم وبالرغم من كونه قصير المدة نسبيًا، لكن شهادات البشر والمشاهد الفيلمية عن الحجر وبساطة المونتاج والإخراج، جعلت منه عملًا وسطًا وسريعًا ما بين الشهادة التاريخية والعمل التوثيقي.
ومن بين أصحاب الشهادات الذين ظهروا بالفيلم، ماجدة هارون، رئيسة الطائفة اليهودية في مصر، وبعض سكان حارة اليهود بالقاهرة، كما تضمن العمل مادة فيلمية للمعابد اليهودية المنتشرة بالعاصمة.
والبوهيمي أحمد هاشم، مونتاج ومخرج مبدع وذكي، لكنه غير طموح وغير منضبط، وإذا تخلص من هذه الخصال ربما سيكون له شأن آخر، بينما سوف يظل طيب القلب كالأطفال، مهذب مثل موظفي خدمة العملاء المحترفين وتسبق كلمة “حضرتك” دائمًا جميع الجمل التي ينطقها سواءا الذي كان يتحدث معه أكبر أو أصغر سنًا ومقامًا.
ولأن مخرج الفيلم صديقي البوهيمي أحمد هاشم، خلوق دائمًا، فقد أهدى التكريم لروح ألبير آريه، أحد أصحاب الشهادات الذين ظهروا بالفيلم، وهو ناشط يساري مصري يهودي، رحل عن دنيا الفناء في أبريل (نيسان) 2021، كما أهدى التكريم لروح عم سيد، وهو أحد سكان حارة اليهود وصاحب شهادة مهمة أخرى نطق بها أمام الكاميرا بلباقة وفلسفة ابن البلد.
1000 مبروك لأخي أحمد هاشم.. وبالتوفيق دائمًا.
وشكرًا لمن شعر بأهمية التنوع وعمل على توثيقه.. وشكرًا لمن شعر بأهمية توثيق التنوع وعمل على تكريمه.
