ذات صلة

أحدث المقالات

توجيهات سامية لجلالة الملك محمد السادس في مجلس وزاري بالقصر الملكي العامر: قراءة تحليلية لمشروع قانون المالية 2026

مجلس وزاري استثنائي بين التحديات الاقتصادية والرهانات الاجتماعية: قراءة...

غوتيريش: منتدى أسوان مساحة حيوية لتعزيز الشراكات وتعزيز السلام

أشاد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، بمصر لاستضافتها...

ستّون يومًا لتغيير وجه المغرب الكبير: واشنطن تختبر المصالحة المستحيلة بين المغرب والجزائر

في زمنٍ تتبدل فيه خرائط الشرق الأوسط بخفةٍ مدهشة، يطلّ مبعوث الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، رفقة جاريد كوشنر، ليعلن من على شاشة CBS عن مبادرة تبدو، للوهلة الأولى، مستحيلة: سلام بين المغرب والجزائر في غضون ستين يومًا.

لكن، هل هي مجرد مبادرة من إرث “صفقات القرن”، أم مقدّمة لتحولٍ أعمق في فلسفة السياسة الأمريكية تجاه شمال أفريقيا؟

الزمن الذي اختاره ويتكوف لم يكن اعتباطيًا. فبينما لا تزال المنطقة تلتقط أنفاسها بعد هدنة غزة، تأتي عبارته اللافتة بأن “السلام أصبح مُعديًا” لتفتح الباب أمام قراءة جديدة: هل تتحول العدوى من صراعٍ إلى سلام، ومن انقسامٍ إلى تقاربٍ إجباري؟

إنه مناخ جديد يعاد فيه تشكيل العلاقات على مقاس توازنات ما بعد الحرب، في لحظةٍ تسعى فيها واشنطن إلى تثبيت حضورها في فضاءٍ ظلّ طويلًا منطقة نفوذٍ فرنسي — أوروبي أكثر منه أمريكيًا.

اللافت أن هذه المبادرة تأتي متزامنة مع جلسة مرتقبة لمجلس الأمن نهاية أكتوبر للتصويت على مشروع قرار أمريكي جديد حول الصحراء المغربية، وصفته الدوائر الدبلوماسية بأنه “الأكثر جرأة” منذ أربعة عقود.

يحدد المشروع سقفًا زمنيا لحلّ النزاع قبل يناير 2026، ويدعو إلى استئناف المفاوضات على أساس مقترح الحكم الذاتي المغربي بوصفه “الحل الأكثر واقعية وجدوى”، مع التذكير بمبدأ تقرير المصير في صياغةٍ توفيقية بين الشرعية الدولية والبراغماتية السياسية.

هنا، يبدو أن الإطار الزمني الذي تحدث عنه ويتكوف — ستون يومًا — ليس عفويًا، بل متقاطع مع منطق القرار الأممي المنتظر: السلام في الإقليم يجب أن يبدأ من هنا، من لحظة تصفية الملفات العالقة.

الولايات المتحدة، إذًا، لا تتحدث عن وساطة فحسب، بل عن هندسة جديدة للعلاقات الإقليمية.
ولعل ما أكده المستشار الرئاسي مسعد بولس من شرم الشيخ بشأن قرب افتتاح قنصلية أمريكية في الصحراء — مع تأكيده الواضح بأن “هذه هي الصحراء المغربية” — يُعدّ خطوة عملية في هذا الاتجاه، ورسالة إلى من يهمه الأمر بأن السياسة الأمريكية الحالية لم تعد قابلة للتأويل الرمادي.

في مقابل ذلك، تلتقي واشنطن اليوم مع باريس ولندن في اعتبار مبادرة الحكم الذاتي المغربية أساسًا للحل، بينما تواصل مدريد السير على حبلٍ دبلوماسي مشدود بين دعمها العلني للمغرب ومحاولتها تجنب مزيدٍ من التوتر مع الجزائر.

إنها معادلة أورومتوسطية جديدة تتجه نحو الواقعية بدل الشعارات، لكن بعيونٍ أمريكية هذه المرة.

فهل يعقل أن يعود ترامب، عبر رجاله، إلى توجيه إيقاع السلام من الخلف؟                          الجواب لا يتوقف عند الجانب السياسي وحده، بل عند إرادة إقليمية جديدة تعيد تعريف مفهوم “التهدئة”.

منذ 2021، تاريخ قطع العلاقات بين الرباط والجزائر، ظلّ الصمت سيد الموقف، لكن حديث ويتكوف عن “قنوات خلفية” لإعادة التواصل يعيد طرح سؤالٍ أعمق: هل تتحضر المنطقة لمصالحةٍ حقيقية أم لمرحلة مؤقتة من إدارة الأزمة تحت وصاية واشنطن؟

قد يكون ما يجري اليوم إعادة إنتاج لـ”اتفاقات أبراهام” على الطريقة المغاربية، لكن هذه المرة دون إسرائيل في الواجهة. فالمعادلة هنا ليست بين أعداء تاريخيين فحسب، بل بين جارتين تجمعهما الجغرافيا وتفرّقهما الذاكرة.

ومن هنا، تطرح الأسئلة نفسها بإلحاح: هل السلام يُصنع بالقرارات أم بالثقة؟ هل يمكن للولايات المتحدة أن تفرض منطقها على صراعٍ له جذور في التاريخ، لا في السياسة فقط؟ وهل تتحول الصحراء المغربية من ملف نزاع إلى نقطة انطلاق لتوازنٍ مغاربي جديد؟

بين كلمات ويتكوف وتصريحات بولس ومداولات مجلس الأمن، تبدو المنطقة أمام لحظة اختبار نادرة: إما أن تكون بداية مصالحةٍ مغاربية حقيقية، أو فصلاً جديدًا من “السلام القابل للتسويق” على الطريقة الأمريكية.

وفي الحالتين، سيبقى السؤال مفتوحًا: من يملك القرار في رسم مستقبل المغرب الكبير — الجغرافيا أم الجيوسياسة؟

spot_imgspot_img