في فضاء مهرجان Visa For Music، حيث تتقاطع الطرق الهادئة للموسيقى القادمة من القارات الأربع، كان اللقاء مع الفنان السينغالي Saintrick أشبه بالوقوف أمام كيان فني لا يعترف بالحدود. فالرجل ليس مجرد مطرب أو مؤلف موسيقي؛ هو حالة فنية كاملة، يحمل صوته التاريخ، وتحمل خطواته ذاكرة القارة، فيما يتقدّم بخفة شاعرٍ وصرامة مؤلفٍ يعرف جيداً ماذا يريد من الفن وإلى أين يقوده.
فنان وُلد من تربة غرب إفريقيا… لكنه يتحدث إلى العالم
يمتلك Saintrick تلك القدرة النادرة على حمل التراث الغنائي لغرب إفريقيا — من الإيقاعات الوولوفية إلى الروحانية السونغاي — ثم صهرها في قالب معاصر يجمع بين الموسيقى العالمية والالتزام الثقافي. لا يقدّم موسيقى للتسلية فقط، بل مشروعاً فنياً يصرّ على إعادة تعريف الهوية الإفريقية من خلال الفن، بحيث تصبح إفريقيا فاعلاً لا متلقّياً، ومصدّراً لا مجرد مصدر إلهام للآخرين.
هذه الروح تعكس جذوره العميقة في السينغال، البلد الذي أنجب أصواتاً كبرى في الموسيقى العالمية، من يوسو ندور إلى بابا مال. لكنه، بخلاف كثير من أبناء جيله، يصرّ على أن يكون فنه “لغة مشتركة” بين أبناء القارة وبين العالم، رافضاً اختزال إفريقيا في صور نمطية أو فلكلورية.
في كواليس Visa For Music: حديث عن الرحلة، الهوية، والمسؤولية الفنية
خلال لقائنا في الرباط، كشف Saintrick عن تفاصيل رحلته الإبداعية، وكيف تشكّلت شخصيته الفنية عبر محطات ممتدة بين السينغال، فرنسا، وفضاءات ثقافية متعددة. تحدث عن الموسيقى باعتبارها ذاكرة حية، وعن التلحين كوسيلة لإعادة كتابة التجارب الإنسانية، وعن المسرح باعتباره امتداداً للصوت حين يتحوّل إلى جسد وحضور.
لم يكن الحديث مجرد سرد لسيرة فنية، بل تأمل فكري حول معنى أن يكون الفنان من إفريقيا اليوم: هل يكتفي بالاحتفال بالتراث؟ أم يغامر بتحديثه؟ هل يحمل صوته إلى المسارح العالمية؟ أم يعود به إلى الأزقة التي وُلد منها؟
Saintrick اختار الإجابتين معاً. ففنه ينتمي إلى الجذور، لكنه لا يستسلم لها. يراهن على الحداثة دون أن يقطع صلته بالأرض. وهذا ما يجعله صوتاً إفريقياً معاصراً بامتياز.
فن يُعرّف نفسه عبر تعدد مواهبه
ما يميّز Saintrick فعلاً ليس تعدد مواهبه بقدر ما هو المنطق الذي يربط هذه المواهب:
-
هو كاتب يلتقط التفاصيل الصغيرة للحياة الإفريقية.
-
وملحّن يترجمها إلى أنغام قادرة على العبور نحو الآخر.
-
وممثل يستخدم الجسد ليقول ما تعجز الموسيقى عن قوله.



