ذات صلة

أحدث المقالات

هشام حيضر… صناعة حضور سينمائي يتنامى بخطى ثابتة

اللقاء مع هشام حيضر، أو مجرد متابعة لمساره، تكشف...

راوية في مهرجان مراكش: ذاكرة فنية حيّة تُعيد ترتيب المشهد الثقافي

في مراكش، حيث تختلط ذاكرة السينما بحكايات المدينة العتيقة، لم يكن تكريم الفنانة راوية (فاطمة هراندي) مجرد لحظة احتفالية عابرة. بدا المشهد، بكل ما فيه من رمزية، أقرب إلى استعادة هادئة لمسار ثقافي مغربي طالما تشكل بين الهوية، والحداثة، والنضال الصامت من أجل حضور فني مشرّف داخل وطن يعيد اليوم التفكير في موقع الثقافة ضمن أولوياته الاستراتيجية.

تكريم أم استعادة لروح زمن فني؟

ما وقع مساء الثلاثاء 2 دجنبر، ضمن فعاليات الدورة الثانية والعشرين للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، كان أكبر من احتفاء باسم. فقد تحولت المنصة إلى مرآة تعكس تاريخ جيل كامل من المبدعين الذين بنوا اللبنات الأولى للسينما والدراما المغربية، وسط ندرة الإمكانيات، وبكثير من الشغف الذي طالما عوّض هشاشة الدعم المؤسساتي في عقود سابقة.

الحضور اللافت لأصدقاء راوية وزملائها وأفراد أسرتها لم يكن بروتوكوليًا فقط؛ بل حمل دلالة على أن راوية ليست ممثلة عادية، بل ذاكرة حية لمسار فني ظل في كثير من الأحيان خارج الضوء مقارنة بالتجارب الإقليمية.

اللقطة التي لخصت كل شيء: الفن كاحتفال بالحياة

على البساط الأحمر، جاءت شهادات الفنانين كنوع من الاعتراف المهني النادر في الساحة الثقافية:
“هرم مغربي لن يتكرر”“امرأة حملت الفن بكرامة”… كلمات أضاءت جانبًا من المكانة الرمزية لراوية.

لكن اللحظة التي ستظل، على الأرجح، منقوشة في ذاكرة المهرجان، كانت رقصتها العفوية مع المخرج نور الدين لخماري. ليست رقصةً فقط، بل استعارة لروح الفنان الذي يرفض أن يشيخ داخل داخله، ويصرّ على تحويل التكريم من طقس رسمي إلى احتفال بالحياة، وبالفن، وبالانتماء.

“المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها”… حين يتقاطع الفن مع الوعي الوطني

في كلمتها، لم تكتفِ راوية بالشكر، بل أعادت صياغة معنى الانتماء حين قالت عبارتها التي دوّى صداها في القاعة: “المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها”.

هذه الجملة، التي تتقاطع مع مواقف الأغلبية الساحقة من الفنانين والمثقفين المغاربة، أعادت طرح سؤال العلاقة بين الثقافة والهوية الوطنية. وفي سياق تتزايد فيه أهمية الدبلوماسية الثقافية في الدفاع عن القضايا الوطنية، بدت كلماتها امتدادًا للجهود التي تُبذل لتوظيف السينما والفن كقوة ناعمة في السياسة الدولية.

وليس من المبالغة القول إن المغرب، الذي يعزز حضوره الدولي عبر مشاريع تنموية كبرى وشراكات استراتيجية، ينظر اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الثقافة كأداة لتعزيز الصورة الدولية، وهو توجه تؤكده تقارير اليونسكو والبنك الدولي حول دور الصناعة الثقافية في الرفع من جاذبية الدول.

دلالة اللحظة: تكريم شخص أم إعادة ترتيب أولويات؟

تكريم راوية، وفق عدد من المتابعين، يتجاوز الاحتفاء الفردي، لأنه يفتح أسئلة ضرورية حول:

  • مكانة الفنان المغربي داخل السياسات العمومية: هل ما زالت الثقافة قطاعًا هامشيًا؟

  • الجيل الجديد من الممثلين والمخرجين: هل يملكون فرصًا وفضاءات تمكنهم من تحقيق إشعاع مماثل؟

  • دور المهرجان الدولي للفيلم بمراكش: هل يشكل مجرد منصة احتفالية أم فضاء لإعادة صياغة علاقة المغرب بصناعته السينمائية؟

هذه الأسئلة ليست ترفًا، بل ضرورة، خاصة في ضوء تقارير دولية تشير إلى أن المغرب يمكنه مضاعفة عائداته الثقافية إذا تم الاستثمار في الصناعة السينمائية بشكل مهيكل، كما تؤكد ذلك دراسات UNCTAD وOECD حول الاقتصاد الإبداعي.

البعد الإنساني: راوية كذاكرة مقاومة

في زمن تتسارع فيه الأضواء وتُستهلك الوجوه بسرعة، تبدو قصة راوية استثناءً. فهي من الفنانات اللواتي جسّدن انتقال المغرب من مرحلة السينما الوطنية الناشئة إلى فضاء الإنتاج المشترك والانفتاح على مدارس إخراج جديدة. حضورها في التكريم بشيء من الدهشة والانفعال أعاد، دون قصد، إثارة سؤال آخر:

هل نُكرم الفنان وهو بيننا كرمز حي، أم لأننا نخشى أن تذهب الذاكرة دون أن نوثقها؟

خلاصة أوسع من الحدث

تكريم راوية ليس فقط لحظة فرح فني، بل نافذة للتفكير في علاقة المغرب بإبداعاته، وفي مكانة الثقافة داخل المشروع المجتمعي الوطني.
إنه تذكير بأن الفن ليس ترفًا، بل جزء من القوة الناعمة التي تراهن عليها الدول الحديثة لتعزيز صورتها ودفعها نحو المستقبل.

وبقدر ما احتفى المهرجان بامرأة صنعت جزءًا من الذاكرة البصرية للمغرب، فإنه أعاد طرح سؤال أعمق:
هل نملك اليوم رؤية ثقافية تجعل من تكريم الرواد بداية لمسار جديد، لا مجرد لحظة عابرة في مهرجان عريق؟

spot_imgspot_img