ذات صلة

أحدث المقالات

هشام حيضر… صناعة حضور سينمائي يتنامى بخطى ثابتة

اللقاء مع هشام حيضر، أو مجرد متابعة لمساره، تكشف...

“الضوء الأول” في مهرجان مراكش: رحلة السينما بين الإيمان والفساد والجمال البصري

في أجواء مهرجان مراكش السينمائي، قدم المخرج جيمس ج. روبنسون والممثلة روبي رويز لوحة فنية عميقة من خلال فيلمهما الجديد “الضوء الأول”، الذي يتناول قضايا حساسة ومؤثرة في الوقت ذاته.

اللقاء مع الاثنين كشف عن طبقات متعددة من العمل، تتجاوز مجرد سرد قصة لتغوص في عمق التجربة الإنسانية والروحانية.

يستند الفيلم إلى واقع الفساد الحكومي في الفلبين، حيث تجتاح المظاهرات الوطنية المدن، ليصبح فيلم روبنسون أكثر إلحاحًا مع مرور الوقت. لكن المخرج اختار مقاربة لطيفة وحساسة، تتجنب الانزلاق إلى المباشرة السياسية الصارخة، وتركز على القيم الإنسانية من خلال شخصية راهبة، لتسبر أغوار العلاقة المعقدة بين الإيمان والمجتمع.

يشرح روبنسون كيف أن النساء في حياته، وخصوصًا والدته وعمته، شكّلن مصدر إلهام مباشر للفيلم، بينما كانت علاقته المعقدة مع الكاثوليكية محركًا لبحثه عن زاوية قصصية تمكنه من مواجهة هذا الإيمان وفهمه. ومن هنا نشأت شخصية غريس، الراهنة في قلب القصة، التي تخوض رحلة إدراك أن مجتمعها لا يمارس الدين بنفس الطريقة التي تمارسها هي، في عملية تصويرية دقيقة تضع الإيمان أمام الفساد المنهجي.

أما روبي رويز، فتحدثت عن تجربتها التمثيلية في الفيلم، وكيف لم يكن صعبًا عليها أن تغمر نفسها في الموقف، إذ أن الموقع الذي اختاره المخرج كان ذو طابع غامض وجاذب، يتوازي مع تجربتها الروحية الخاصة. كما أن خلفيتها في التصوير الفوتوغرافي جعلتها ترى كل لقطة كصورة قادرة على سرد قصة كاملة، وهو ما جعل كل مشهد في الفيلم اختيارًا متعمدًا، مدروسًا بدقة فنية عالية.

الجانب البصري للفيلم يبرز من خلال لغة سينمائية واسعة، حيث أراد روبنسون منح الممثلين كامل أجسادهم للتعبير، لا الاكتفاء بالوجه وحده، مستفيدًا من خبرة روبي رويز المسرحية. الجسد هنا يصبح أداة سردية متكاملة، يختلف أحيانًا عن الكلمات، ليكشف عن الدلالات الخفية للموقف. علاوة على ذلك، ارتباط القصة بالطبيعة يمنح الفيلم بعدًا روحيًا إضافيًا، فالجبال وأصوات الرياح والأوراق المتساقطة تصبح جزءًا من التجربة التمثيلية والروائية، مما يجعل المشاهد جزءًا من الرحلة، لا مجرد متلقٍ.

“الضوء الأول” إذن، ليس مجرد فيلم عن راهبة أو فساد، بل تجربة سينمائية كاملة تجمع بين التصوير الدقيق، الأداء المسرحي العميق، والبحث الفلسفي عن الإيمان، لتقدم للمشاهد نافذة على أسئلة إنسانية معاصرة بطريقة فنية رفيعة وهادئة، ولكنها مؤثرة.

spot_imgspot_img