ذات صلة

أحدث المقالات

قراءة تحليلية في “Chikha”: حين تستعيد السينما المغربية أسئلتها المعلّقة

لم تكن المحادثة مع زهرة وغيـتى وأسامة مجرّد دردشة عابرة حول فيلم قصير، بل كانت بوّابة لفتح أسئلة أعمق حول معنى الفن، وما الذي يحدث حين يتحوّل الإرث إلى عبء، والهوية إلى صراع داخلي يُنضِج المراهقة قبل أوانها.

Chikha” ليس عملاً سينمائياً فحسب؛ إنه محاولة جيلٍ شاب لإعادة كتابة علاقة المغرب المعاصر بذاكرته الشعبية، وبمهن فنية لطالما جرى تهميشها أو محاصرتها داخل قوالب نمطية.

فاطين: عندما يصبح الجسد ساحة مفاوضات بين الأمس والغد

في قلب الحكاية تقف فاطين، ابنة السبعة عشر عاماً، التي تجد نفسها ممزقة بين مسارين: إمّا أن تصون إرث والدتها كـ“شيخة”، بفنّها ورقصها وكلماتها التي تشكّل جزءاً من الوجدان المغربي، وإمّا أن تستسلم لضغوط مجتمع يريدها نسخة مطابقة للمتوقَّع، متصالحة مع “الاحترام” كما يُعرِّفه الآخرون، لا كما تشعر به داخلياً.

بذكاء بصري وسردي، لا يقدّم الفيلم الصراع كتقابل مبسّط بين “الحداثة” و“التقليد”، بل كمعركة داخل الذات نفسها:هل يمكن للإنسان أن يكون ابناً مخلصاً لذاكرته، وفي الوقت نفسه مشروعاً لمستقبل جديد؟ وهل يُمكن لشابة في مقتبل العمر أن تحمل وزرَ الفنّ الذي لم يختره المجتمع، لكنه يسري في دم العائلة كأغنية قديمة؟

السينما هنا ليست فناً فقط… بل مساءلة اجتماعية

اللافت في الفيلم وفي حديث صنّاعه أنّ الجيل الجديد من السينمائيين المغاربة لم يعد يكتفي بطرح الحكايات؛ بل يسعى إلى تحرير الرموز التي سُجنت طويلاً داخل صور جاهزة.

الـ“شيخة” لم تعد مجرد راقصة شعبية في المخيال الجماعي، بل تتحول هنا إلى جسرٍ معقّد بين الفن والوصم، وبين الحرية والذاكرة.

تكشف المقاربة البصرية أن الفيلم لا يخشى مواجهة التابوهات، لكنه يفعل ذلك بلغة هادئة، ناضجة، تُفضّل طرح الأسئلة على إطلاق الأحكام.
أين يقف المجتمع المغربي اليوم من فنه الشعبي؟
ولماذا ما زالت فئات واسعة تخجل من فنون هي جزء من روحها وتاريخها؟
وهل يستطيع الفن أن يتحوّل من موضوع محاكمة اجتماعية إلى مساحة للانعتاق الشخصي؟

جيل جديد… يكتب قصته بنفسه

الحوار مع المخرجين الثلاثة يكشف شيئاً أهم من الفيلم نفسه:
نحن أمام جيل مغربي لا يبحث عن “مكان تحت الشمس” بقدر ما يصنع شمسَه الخاصة.
جيل يرى السينما كأداة فهم لا كتسلية، وكفضاء للتعبير عن أسئلة الجيل بأكملِه: الهوية، الحرية، الجسد، والانتماء.

لا عجب إذن أن نشعر بالفخر، ليس لأن العمل جميل وحسب، بل لأن هذه الحوارات تعلن ولادة سينما مغربية جديدة،
سينما تنبش في المناطق الرمادية، وتمنح الصوت لتجاربٍ لطالما بقيت في الهامش.

خلاصة روحية للنص

“Chikha” ليس مجرد فيلم قصير… إنه مرآة لأسئلة كبيرة يطرحها جيل لا يخشى مساءلة المجتمع، ولا يخشى في الوقت نفسه أن يواجه ذاته. ومع زهرة وغيـتى وأسامة، تبدو السينما المغربية كأنها تدخل مرحلة نضجٍ فني وفكري،
تمنح فيها الحكايات الشعبية حياة جديدة، وتحوّل الموروث من عبء إلى طاقة خَلّاقة.

spot_imgspot_img