ذات صلة

أحدث المقالات

قراءة تحليلية في حوار يجمع ثلاثة من صُنّاع التحوّل في السينما المغربية

لم يكن اللقاء مع كريم تجواوت، فؤاد صحراوي، ومحمد رضا غزناي حدثاً بروتوكولياً يُضاف إلى أجندة مهرجان. كان — في جوهره — جلسة تفكير جماعي تُضيء ما يتشكّل اليوم داخل السينما المغربية من رؤى، توتّرات، وأحلام جديدة.

ثلاثة أسماء من أجيال وتجارب مختلفة، لكنها تتقاطع عند نقطة جوهرية:رغبة عميقة في إعادة تعريف السينما المغربية، لا باعتبارها إنتاجاً فنياً فقط، بل فضاءً معرفياً يطرح الأسئلة قبل أن يبحث عن التصفيق.

كريم تجواوت: حين تتحوّل الرؤية الجمالية إلى سؤال وجودي

يقدّم كريم تجواوت نفسه كصانع صور، لكن اشتغاله الأعمق هو على المعنى.
مخرج وكاتب سيناريو يرفض المهادنة، ويبحث باستمرار عن تلك المنطقة التي تتجاوز الحكاية نحو كشف التوتّر بين الإنسان وواقعه.

جرأته الفنية ليست في كسر القواعد فحسب، بل في قدرته على تحويل التفاصيل اليومية إلى لحظات تأملية، وكأن السينما لديه ليست فرجة، بل لغة لفهم هشاشة الوجود المغربي المعاصر.

فؤاد صحراوي: المنتج الذي لا يكتفي بالتمويل… بل يبني جسوراً ثقافية

في مشهد سينمائي يعاني هشاشة البنيات وبطء التحول، يظهر دور المنتج الحقيقي كندرة.
لكن فؤاد صحراوي ينتمي إلى تلك الفئة التي تفهم الإنتاج كعمل ثقافي،
لا كصفقة تجارية.
هو منتج يستثمر في القصص التي تملك القدرة على البقاء،
وفي المخرجين الذين يصنعون الفرق،
وفي المبادرات التي تفتح أبواباً للمواهب الشابة كي تكتب روايتها الخاصة.
من خلاله نفهم أن السينما ليست فقط شاشة، بل منظومة دينامية تحتاج لمن يؤمن بها ويقاتل من أجلها.

محمد رضا غزناي: حضور آخذ في التشكل… وملامح نجم يتجاوز ضوءه حدود الجيل

تكريم غزناي في مهرجان القاهرة لم يكن مجرد لحظة احتفاء،
بل إشارة إلى صعود جيل جديد من الممثلين الذين يملكون أدوات أداء معاصر،
ووعياً بدور الممثل كقوة سردية لا كجسد يُحرّك الصور.
غزناي لا يكتفي بتجسيد الشخصيات؛
إنه يعيد صياغتها من الداخل،
وهو ما يجعل حضوره متنامياً داخل مشهد يحتاج إلى أصوات شابة قادرة على اقتحام أدوار مركّبة،
وتقديم صورة جديدة للممثل المغربي في الفضاء العربي.

**لقاء يكشف ما وراء الصورة:

التقاء التجربة والحسّ الجمالي والطموح الوطني**

خلال هذا الحوار في مهرجان الرباط لسينما المؤلف، لاح شيء أكبر من مجرد تبادل أفكار:
ظهر قوس كامل يربط الرؤية الإخراجية بالخيال التمثيلي وبنية الإنتاج.
وكأننا أمام ثلاثة مستويات من العمل السينمائي تتحاور:
الفكرة، التنفيذ، والتجسيد.

هذا التفاعل لا يعكس فقط نضجاً مهنياً،
بل يعكس أيضاً تحولاً في وعي الجيل الحالي نحو سينما لا تريد أن تكون هامشية،
ولا تريد أن تكتفي بلعب دور تابع في المشهد العربي أو الدولي.
إنها سينما تسعى إلى كتابة لغتها الخاصة،
والتفاوض مع زمن سريع التغير،
واستعادة ثقة الجمهور عبر القصص التي تحمل صدقاً ومعنى.

خلاصة: السينما المغربية هنا… تتحدث بلسانها الحقيقي

هذا الحوار لم يكن ترفاً ثقافياً.
كان لحظة تكشف أن المغرب يعيش اليوم مرحلة إعادة بناء وجدان سينمائي،
يقوده صناع لا يكتفون بممارسة المهنة، بل يحمّلون أنفسهم مهمة الفهم، والنقد، والابتكار.

إنها رحلة لا تزال في بدايتها،
لكن أسماء مثل كريم تجواوت، فؤاد صحراوي، ومحمد رضا غزناي تشكّل علامات مضيئة على الطريق،
وتمنح الأمل في سينما مغربية أكثر نضجاً، أكثر جرأة، وأكثر اتصالاً بعمقها الإنساني.

spot_imgspot_img