في خطوة لم تكن مفاجئة تمامًا لكنها حملت رسائل صادمة على الصعيد الدولي، أطلقت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب استراتيجيتها الجديدة للأمن القومي، لتضع الهجرة في صدارة الأولويات، وتعيد صياغة علاقة الولايات المتحدة بالعالم. هذه الوثيقة، التي طال انتظارها، تكشف عن تحول جذري في رؤية واشنطن لمسار السياسة الخارجية، من “الوجود العالمي” إلى “الهيمنة الإقليمية”، مع تركيز خاص على نصف الكرة الغربي وأميركا اللاتينية.
إعادة تحديد الأولويات: من القوة العالمية إلى السيطرة الإقليمية
الاستراتيجية الأميركية الجديدة لا تكتفي بالتحذير من التهديدات التقليدية، بل تضع “أمن الحدود” كمحور رئيسي، محوّلة الهجرة إلى قضية تتجاوز الجانب الإنساني أو الاجتماعي لتصبح تحديًا حضاريًا وأمنيًا في آن واحد. بالتوازي، تشير الوثيقة إلى إعادة ترتيب الأولويات الجيوسياسية، مع تقليص الاهتمام بالتوترات في آسيا والشرق الأوسط، حتى مع بروز الصين كقوة منافسة، لصالح تعزيز النفوذ الأميركي في الجوار المباشر.
في هذا السياق، يبدو أن ترامب يعمل على تحديث “مبدأ مونرو”، الذي أعلن قبل قرنين أن أميركا اللاتينية منطقة محظورة على القوى الأجنبية. اليوم، تتخذ هذه الرؤية شكل استراتيجية تتيح لإدارة ترامب التدخل في قضايا أميركا اللاتينية، من مكافحة تهريب المخدرات إلى مراقبة الموارد الحيوية، بما فيها قناة بنما.
أوروبا في مرمى النقد: من حليف إلى تهديد رمزي
الاستراتيجية لا تقف عند الحدود الأميركية، بل تصوّر أوروبا كجهة “تحتاج إلى إعادة ضبط” على مستوى القيم. فالقيم الأوروبية المتعلقة بالهجرة وحرية التعبير، بحسب الوثيقة، تمثل تهديدًا لمصالح واشنطن، ويبدو أن الإدارة الأميركية تسعى لدعم معارضي هذه القيم، بما يفتح الباب أمام تدخل أميركي غير مباشر في السياسة الداخلية للدول الأوروبية.
من جانبها، لم تخف ألمانيا رفضها لهذه الرسائل، حيث شدد وزير الخارجية يوهان فاديفول على أن بلاده لا تحتاج إلى “نصائح من الخارج”، مؤكدًا أن قضايا حرية التعبير وتنظيم المجتمع ليست موضوعًا للمشورة الأميركية.
الهجرة كأزمة حضارية: بين السياسة والهوية
ما يميز استراتيجية ترامب الجديدة هو تحويل الهجرة من قضية سياسية أو اقتصادية إلى قضية حضارية وثقافية. الهجرة هنا ليست مجرد تدفق للأشخاص، بل تهديد محتمل للهوية الأميركية والقيم الغربية، ما يضع الإدارة في موقع “مدافع عن الحضارة”، ليس فقط عن الحدود.
هذا التحول يعكس صراعات داخلية في المجتمع الأميركي نفسه، حيث يزداد القلق من التعددية الثقافية وتنامي الهجرة، ما ينعكس اليوم على السياسة الخارجية بشكل صريح.
تداعيات استراتيجية على العالم
الاستراتيجية الجديدة تحمل انعكاسات واسعة:
-
على المستوى الإنساني، ستواجه الدول المصدّرة للهجرة، خصوصًا في أميركا اللاتينية وأفريقيا، قيودًا مشددة على السفر واللجوء، مما قد يزيد الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.
-
على المستوى الأوروبي، من المتوقع أن تتصاعد التوترات مع الولايات المتحدة، وأن تتغير طبيعة التحالفات التقليدية، حيث تتحول من شراكات استراتيجية إلى علاقات قائمة على “المصلحة أولًا”.
-
عالميًا، تفتح الاستراتيجية الباب أمام تعزيز السياسات الأمنية والحدودية، وتقليص التعاون الدولي في قضايا الهجرة والعمالة.



