ذات صلة

أحدث المقالات

مكانة الدبلوماسية الملكية الحضارية المغربية في العلاقات الدولية

رغم أن القانون الدولي العام من خلال ميثاق الأمم...

حين تضلّل الكاميرا الحقيقة: كيف شوّه بعض الإعلام العربي صورة “كان 2025” في المغرب؟

التضليل الإعلامي في تغطية كأس أمم إفريقيا بالمغرب: قراءة...

الرؤية السديدة للدبلوماسية الملكية الاقتصادية قاطرة للريادة الإفريقية

  تميزت المملكة المغربية في عهد جلالة الملك محمد السادس...

أوسكار هدسون يفوز بجائزة أفضل إخراج في مهرجان مراكش: «دائرة مستقيمة»… حين تتحول السينما إلى سؤال إنساني مفتوح

في واحدة من أكثر لحظات الدورة الثانية والعشرين لمهرجان مراكش الدولي للفيلم كثافةً ودلالة، توّج المخرج البريطاني أوسكار هدسون بجائزة أفضل إخراج عن فيلمه الروائي الطويل الأول «دائرة مستقيمة» (Straight Circle)، مؤكداً أن السينما، حين تُنجز برؤية واضحة وجرأة فنية، قادرة على اختراق الأسئلة الكبرى للإنسان المعاصر دون شعارات أو مباشرة.

الجائزة لم تأتِ فقط كمكافأة تقنية على حسن إدارة الصورة والممثلين، بل كاعتراف برؤية إخراجية متماسكة نجحت في تحويل فضاء محدود وشخصيات قليلة إلى مختبر سينمائي يختبر مفاهيم الهوية، والعدو، والحدود، والعبث الكامن في الصراعات الإنسانية.

فيلم عن الحرب… بلا حرب

«دائرة مستقيمة» ليس فيلماً حربياً بالمعنى التقليدي، بل عمل سينمائي يتخذ من الحرب خلفية صامتة ليطرح أسئلته الأساسية. جنديان، من معسكرين متقابلين، يجدان نفسيهما في فضاء صحراوي معزول، حيث تتلاشى تدريجياً الخطوط الفاصلة بين “نحن” و“هم”، ويتحوّل الصراع من مواجهة خارجية إلى مواجهة داخلية مع الذات والمعنى.

هنا تحديداً تتجلى قوة إخراج هدسون، الذي اختار الابتعاد عن الضجيج البصري لصالح بناء توتر نفسي متصاعد، يعتمد على الإيقاع، ونظرة الكاميرا، والصمت بوصفه لغة موازية للحوار. فيلم يراهن على ذكاء المتفرج، ويمنحه مساحة للتأويل بدل تلقينه الإجابات.

إخراج يشتغل على الفكرة لا على الاستعراض

ما يميز تجربة أوسكار هدسون في «دائرة مستقيمة» هو وعيه بأن الإخراج ليس استعراضاً للأسلوب، بل انضباطٌ صارم لخدمة الفكرة. الكاميرا لا تبحث عن لقطات جميلة بقدر ما تبحث عن موقعها الأخلاقي داخل المشهد. كل حركة محسوبة، وكل فراغ مقصود، وكل صمت يؤدي وظيفة سردية.

هذا الاختيار الجمالي يضع الفيلم ضمن تقليد سينمائي عالمي يراهن على الحد الأدنى من الوسائل لتحقيق أقصى أثر إنساني، وهو ما التقطته لجنة التحكيم حين منحت الجائزة لعمل لا يصرخ، بل يهمس… ويترك أثره عميقاً.

مراكش… منصة لاكتشاف الأصوات الجديدة

فوز «دائرة مستقيمة» بجائزة أفضل إخراج يعزز مرة أخرى صورة مهرجان مراكش الدولي للفيلم كمنصة حقيقية لاكتشاف الأصوات السينمائية الجديدة، وليس مجرد فضاء للاحتفاء بالأسماء اللامعة. فالجائزة ذهبت إلى فيلم أول، لمخرج شاب، يؤمن بأن السينما فعل تفكير قبل أن تكون صناعة.

وهو اختيار ينسجم مع روح المهرجان، الذي راكم عبر سنواته تقليداً خاصاً في دعم التجارب الجريئة، القادمة من هوامش السوق، لكنها في صلب الأسئلة الفنية والإنسانية.

جائزة تتجاوز صاحبها

جائزة أفضل إخراج لأوسكار هدسون لا تخصه وحده، بل تخص نوعاً من السينما التي تقاوم الاستسهال، وتراهن على العمق، وتعيد الاعتبار لدور المخرج بوصفه صاحب رؤية لا مجرد منفذ. إنها جائزة لفيلم يطرح سؤالاً بسيطاً في ظاهره، مقلقاً في جوهره:
متى يصبح العدو مرآة لنا؟

في زمن تتكاثر فيه الحروب وتتشابه الخطابات، يذكّرنا «دائرة مستقيمة» بأن السينما، حين تكون صادقة، قادرة على تفكيك أكثر الدوائر استقامة… وكشف هشاشتها.

spot_imgspot_imgspot_imgspot_img