الانتخابات المقبلة بين القوانين الجديدة وتحديات المشاركة: قراءة تحليلية في رهان التخليق السياسي
مع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة، تتجدد النقاشات بين المعارضة والأغلبية حول القوانين الجديدة المنظمة للعملية الانتخابية، لكن ما يظهر على السطح ليس سوى جزء من الحقيقة. هناك من يرى في هذه القوانين فرصة لتجديد المشاركة وإعادة الثقة في المؤسسات، فيما يعتقد آخرون أنها لا تتجاوز كونها مسكنات مؤقتة لأزمات بنيوية أعمق.
هنا، تكمن الأسئلة الكبرى: هل نحن أمام عملية انتخابية تُقنِع المواطن بممارسة حقوقه، أم مجرد صراع بين أحزاب للحفاظ على مواقعها؟ وهل القوانين الجديدة تكفي لضمان مشاركة حقيقية وعادلة للشباب والطبقات المهمشة؟
القوانين الجديدة: بين الاستقرار والرهانات
القوانين التي أقرها البرلمان مؤخراً، رغم أهميتها الشكلية، أثارت الكثير من الجدل. من جهة، حافظت على بعض القواعد الأساسية مثل القاسم الانتخابي، مما يضمن استمرارية المؤسسات وموازنة القوى بين الأحزاب الكبرى والصغرى. من جهة أخرى، فشل القانون في معالجة تحديات جوهرية مثل تمكين الشباب من المشاركة الفعالة وإشراك المرأة بشكل أوسع، أو حتى الحد من تأثير المال السياسي على النتائج.
هنا يبرز سؤال فلسفي: هل التشريع الانتخابي هو أداة لضبط اللعبة السياسية، أم وسيلة حقيقية لإعادة تكوين العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن؟ وهل المشاركة المهيكلة عبر هذه القوانين قادرة على تجاوز الإحباطات المتراكمة لدى الشباب والمواطنين العاديين؟
الشباب والمشاركة: رهانات مستقبلية
الشباب، الذين يمثلون الأكثرية الصامتة أو المستهلكة في وسائل التواصل الاجتماعي، هم المفصل الأساسي لأي عملية ديمقراطية حقيقية. النقاشات الأخيرة كشفت عن انقسامات داخلية في الأحزاب نفسها حول مدى استعدادها لإشراك الجيل الجديد في القرار السياسي، ودرجة انفتاحها على الأفكار الجديدة.
السؤال هنا: هل يمكن للأحزاب التقليدية أن تتحول إلى منصات حقيقية للشباب، أم أن المشاركة ستظل محدودة بنخب سياسية محمية بمصالح قديمة؟ وهل الديمقراطية الحقيقية ممكنة في ظل استمرار سيطرة المعايير التقليدية على آليات اختيار المرشحين وإدارة الحملات؟
التخليق السياسي: أكثر من مجرد شعار
الرهان الأكبر اليوم ليس فقط في تنظيم الانتخابات، بل في إعادة خلق معنى العمل السياسي نفسه. التخليق السياسي يعني مساءلة المسؤولين، تعزيز الشفافية، مواجهة الفساد، وبناء ثقافة المواطنة القائمة على الحقوق والواجبات. إلا أن الطريق لا يزال طويلاً، فالوعي الانتخابي محدود، والممارسات غير الأخلاقية ما زالت تتربص بالعملية الديمقراطية.
وهنا تبرز أسئلة محورية: كيف يمكن للسياسة أن تتحول من صراع على المناصب إلى مشروع لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة؟ وكيف يمكن أن يصبح الترشح والتصويت ممارسة مسؤولة وليس مجرد عبور شكلاني للدوائر الانتخابية؟
التحديات المؤسسية: الأغلبية والمعارضة
الاختلاف بين الأغلبية والمعارضة لا يقتصر على القوانين، بل يمتد إلى إدارة المجالس الجماعية والجهوية، وصعوبة تحقيق أغلبيات مستقرة قادرة على اتخاذ القرارات بشكل جماعي ومسؤول. هذه الإشكالية تعكس هشاشة البنية السياسية أمام المطالب المجتمعية المتنامية، وتطرح تساؤلات حول قدرة النظام السياسي على تلبية الطموحات الشعبية، خصوصاً تلك المتعلقة بالتنمية المحلية والخدمات الأساسية.
نحو استنتاج مفتوح
الانتخابات المقبلة ليست مجرد عملية روتينية، بل اختبار حقيقي للمجتمع والسياسة على حد سواء. فهي فرصة لإعادة الاعتبار للمشاركة، وتمكين الشباب، وإعادة تكوين الثقة بين المواطن ومؤسساته. لكنها أيضاً اختبار للنضج السياسي للأحزاب وقدرتها على التخليق الذاتي والابتعاد عن السياسات الشكلية.
أسئلة مفتوحة للقارئ:
-
هل سيُترجم القانون الانتخابي الجديد إلى مشاركة فعالة ومؤثرة، أم سيبقى مجرد آلية شكليّة؟
-
كيف يمكن للشباب والمواطنين العاديين أن يضمنوا أن صوتهم ليس مجرد رقم يُحسب، بل عامل حقيقي في صنع القرار؟
-
هل ستنجح الأحزاب في تجاوز صراعاتها الداخلية لإعادة بناء الثقة مع المجتمع، أم ستظل العملية الانتخابية محكومة بالمصالح الضيقة؟



