ذات صلة

أحدث المقالات

مكانة الدبلوماسية الملكية الحضارية المغربية في العلاقات الدولية

رغم أن القانون الدولي العام من خلال ميثاق الأمم...

حين تضلّل الكاميرا الحقيقة: كيف شوّه بعض الإعلام العربي صورة “كان 2025” في المغرب؟

التضليل الإعلامي في تغطية كأس أمم إفريقيا بالمغرب: قراءة...

الرؤية السديدة للدبلوماسية الملكية الاقتصادية قاطرة للريادة الإفريقية

  تميزت المملكة المغربية في عهد جلالة الملك محمد السادس...

المغرب بوابة الاستثمارات الأمريكية نحو إفريقيا وأوروبا: قراءة في التحول الدبلوماسي والاقتصادي

تشير مؤشرات عدة، أبرزها تقرير نشرته صحيفة “روتلاند هيرالد” البريطانية، إلى أن الولايات المتحدة تنظر اليوم إلى المغرب ليس فقط كشريك سياسي في شمال إفريقيا، بل كبوابة استراتيجية تتيح ولوجا مباشرا إلى أكثر من مليار مستهلك يمتد من إفريقيا إلى أوروبا وحوض المتوسط. هذا التحول في المنظور الأمريكي يفسر الاهتمام المتزايد بدعم الاستثمار في جميع مناطق المملكة، بما فيها الأقاليم الجنوبية، وهو توجه لم يكن ليُفهم بمعزل عن التطورات الدبلوماسية الأخيرة.

فوفق التقرير، أعاد نائب وزير الخارجية الأمريكي، كريستوفر لانداو، تأكيد دعم بلاده للشركات الأمريكية الراغبة في الاستثمار في المغرب، مشددا على شمولية هذا الدعم لكافة التراب المغربي، بما في ذلك الصحراء. تصريحات المسؤول الأمريكي لم تكن مجرد بيان بروتوكولي؛ بل حملت مؤشرا اقتصاديا وسياسيا دقيقا: الولايات المتحدة تعتبر الأقاليم الجنوبية مساحة استثمارية قابلة للنمو، ضمن إطار قانوني وسياسي تعتبره واشنطن واضحا ومستقرا منذ الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء في 2020.

المغرب، وفق التحليل الأمريكي، يجمع بين الموقع الجغرافي المميز وشبكة اتفاقيات التبادل الحر مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الإفريقية، ما يمنح المستثمرين الأمريكيين منفذا مباشرا إلى سوق موسع يزيد عن مليار مستهلك. في هذا الإطار، يمكن فهم توجيه الاستثمارات نحو القطاعات ذات الأولوية الاستراتيجية، التي تتقاطع مع أولويات الولايات المتحدة في مجالات مثل الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة.

وفي صدارة هذه القطاعات، تأتي الطاقات المتجددة، حيث تتمتع الأقاليم الجنوبية بإمكانيات كبيرة في الطاقة الشمسية والريحية. التحليل الأمريكي يعتبر دعم المشاريع في هذه المجالات امتدادا منطقيا للسياسة الطاقية الأمريكية في المغرب، خصوصا وأن مؤسسات تنموية أمريكية سبق أن دعمت مشاريع في الطاقات النظيفة داخل المملكة.

أما القطاع الثاني الذي يلفت الانتباه فهو البنيات التحتية واللوجستيك، حيث يُنظر إلى مشاريع كبرى مثل ميناء الداخلة الأطلسي على أنها رافعة استراتيجية لربط سلاسل الإمداد بين إفريقيا والأسواق الدولية، وهو ما يمثل قيمة مضافة للشركات الأمريكية العاملة في النقل والخدمات اللوجستية.

وفي الفلاحة والصناعات الغذائية، يشير التقرير إلى أن المغرب يُعد شريكا تجاريا أساسيا للولايات المتحدة، مع إمكانيات ملموسة لتوسيع الاستثمارات في التحويل الزراعي، والصيد البحري، والتكنولوجيا الفلاحية، بما يعزز الأمن الغذائي ويخلق فرصا اقتصادية جديدة.

وأخيرا، يلفت التقرير إلى المعادن والمواد الاستراتيجية، حيث يبرز المغرب كفاعل عالمي في مجال الفوسفاط، ويعمل على تطوير استكشاف معادن أخرى تدخل في صناعات الطاقات المتجددة والتكنولوجيات الحديثة. هذا المجال يفتح آفاقا جديدة للاستثمارات الأمريكية في الأقاليم الجنوبية، مع ما يحمله من تأثيرات على خارطة الاستثمار الإقليمية والدولية.

إن قراءة هذا التحول الأمريكي تتجاوز مجرد الاعتبارات الاقتصادية؛ فهي تعكس استراتيجية طويلة الأمد تعتمد على دمج الأبعاد السياسية، الاقتصادية، والتنموية، مع وضع المغرب كمنصة انطلاق نحو إفريقيا وأوروبا، في سياق يعيد رسم أولويات الدبلوماسية الاقتصادية الأمريكية.

spot_imgspot_imgspot_imgspot_img