رغم أن القانون الدولي العام من خلال ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدبلوماسية والقنصلية المعتمدة عالميا، يتبنى مبدأ المساواة بين الدول في الحقوق والواجبات،
إلا أن العرف الدولي الذي يعتبر المصدر الأساسي للقانون الدولي العام، على اعتبار
أن القوانين الدولية المدونة لم ترى النور إلا أواخر العصر الحديث، حيث أن علم العلاقات الدولية بحد ذاته علم معاصر.
بينما تعتبر ظاهرة العلاقات الدولية و القانون الدولي العرفي، وفق منظور “K. J. HOLSTI” متواجدة منذ أن خلق البشر، ما يعني أن الدول العريقة تواصلت فيما بينها بشكل إيجابي
وسلبي في محاولة للتأقلم وإيجاد الوسائل والآليات المناسبة للتعايش والتعاون في ظل غياب أي قانون منظم أو ضوابط دولية، خاصة قبل عهد الإكتشافات البحرية، حيث أن العلاقات الدولية والدبلوماسية، مرت عبر مراحل تاريخية صعبة ومتنوعة من منظور “MARCEL MERLE“، حتى أن القانون الدبلوماسي والقنصلي، استمد معظم قواعده التنظيمية
من الممارسات الدبلوماسية التاريخية للدول القديمة.
وهذا ما يعطي للدول العريقة، مكانة رمزية، تميزها عن باقي الدول المعاصرة، حيث أنها مارست الدبلوماسية قبل تنظيمها بموجب اتفاقيات فيينا 1961 للقانون الدبلوماسي
و 1963 للقانون القنصلي، وهو ما جعلها مرجعا لباقي الدول.
والمملكة المغربية الشريفة واحدة من بين أعرق الدول العالمية، التي تتميز بتاريخ دبلوماسي حافل، وبنظام سياسي متميز ومستمر لقرون، كما أن للمملكة المغربية،
دور أساسي في نشأة واستمرار مجموعة من دول العالم، حيث أن المغرب أول دولة اعترفت بالولايات المتحدة الأمريكية، كما ساهمت في دعم استقلال عدد من الدول الافريقية
من بينها الجزائر، حيت دافع جلالة المغفور له السلطان محمد الخامس عن استقلال الجزائر أمام هيئة الأمم المتحدة، كما أشرفت المملكة المغربية أيضا على تأسيس وتكوين الإدارات العمومية والسياسية والأمنية لدولة الإمارات الشقيقة.
بينما ساهمت المملكة المغربية في حماية عدد كبير من القوافل والسفن التجارية،
وكرست لمبدأ الحماية التجارية، من خلال توقيع اتفاقيات صداقة وتعاون تاريخية
مع عدد من الدول، من أبرزها معاهدة السلام والصداقة المغربية الأمريكية، التي تم توقيعها عام 1786، كما كان هناك تواصل دبلوماسي بين السلطان المغربي “محمد الثالث”
و إمبراطورة روسيا القديمة “يكاترينا الثانية” سنة 1777.
هذا ما يجعل المنتظم الدولي يتعامل مع المملكة المغربية الشريفة، بشكل مختلف عن باقي الدول العربية والافريقية الأخرى، فالاستقبالات الرسمية التي يحضى بها جلالة الملك محمد السادس نصره الله، تكون لها هيبتها الخاصة، من خلال بروتوكول رفيع المستوى يليق بقيمة جلالته وقيمة المملكة المغربية، إذ يعد رمزا روحيا لعدد من الدول، باعتباره يجمع بين لقب ملك المغرب، وأمير المؤمنين الذي يستمده من خلال رباط البيعة الشريفة، وهو ما منح المغرب سيادة روحية على عدد من الدول التي تبدي الولاء الروحي لأمير المؤمنين سليل الدوحة النبوية الشريفة.
هذه ليست طقوس وبروتوكولات رمزية فقط، بل هي حضارة تاريخية لها مكانتها العالية في العرف الدولي، وتمنحها ريادة المنطقة بالفعل لا بالقول، وهذا ما يجعل المغرب يتعامل مع مختلف القضايا الوطنية والأممية بتروي وحكمة، على إعتبار أنه دولة أمة، متواجدة منذ القدم، ومستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ومن هذا المنظور، تجد المغرب على سبيل المثال، مصرا على تبني سياسة اليد الممدودة مع الجزائر باعتبارها دولة شقيقة، وهذا ما شهدناه بشكل صريح و متكرر في الخطب الملكية الشريفة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، حيث أن المغرب ينظر بمنظور الدولة العريقة، التي كانت بالأمس سندا للجزائر في محنتها، فهو نفس المغرب الذي قدم مساعدات للجزائر ودافع عنها أمام هيئة الأمم المتحدة، ونفس المغرب هو من عقد اتفاقيات والتزامات سابقة مع دولة الجزائر، عكس المنظور الجزائري الذي يرى العلاقات المغربية بمنظور الدولة المعاصرة، ويتعامل معها بمبدأ الآنية والتسرع، وهو ما يجعلها تتخذ قرارات متهورة، صادرة عن إرادة شادة لأشخاص معينين، حتى ولو عاكست الإرادة الشعبية.
نفس الأمر بالنسبة لملف قضية الصحراء المغربية، فالمغرب تعامل مع الملف بشخصية الدولة العريقة، فكانت حججه بليغة من خلال الوثائق الدولية التي أثبتت مغربية الصحراء، وأكدت ألا وجود لأي طرح انفصالي أمام دولة مستمرة لقرون، تربطها ظهائر البيعة والولاء بين جميع التراب الوطني، فكانت النتيجة إقتناع العالم بالحجج والبراهين المغربية،
نتج عنه إقرار بالإجماع، على إعتماد الحكم الذاتي كحل وحيد لحل النزاع المفتعل بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2797.
فالمغرب كان متيقنا من حسم ملف الصحراء المغربية ولو بعد حين، وهو ما جعله صامدا، هادئا في جميع محطات هذا النزاع المفتعل، كما أن المغرب لم يعتبر مدة معالجة الملف طويلة الأمد كما يقال، بل اعتبرها قصيرة الأمد من منظوره كدولة عريقة مستمرة، فالدول الحديثة والمعاصرة هي من تعتبره نزاعا عمر طويلا.
كما أن الدبلوماسية الملكية الحضارية للمغرب، تجعلها متميزة بين الدول الأخرى، وصاحبة السبق في التنمية والتطور، والأقرب للتعامل مع كبريات الأنظمة الدولية، كما تمنحها المصداقية في الإلتزامات، بحيث أن المملكة المغربية لا تزال ملتزمة إلى يومنا هذا بكل الإتفاقيات والمعاهدات التي أبرمتها منذ قرون من الزمن، بينما هناك دول تخل أو تتراجع عن اتفاقياتها لأبسط الأسباب، وهذا من بين ما يميز الدول العريقة عن الحديثة، خاصة إذا تعلق الأمر بدول العالم الثالث.
فبالرجوع إلى الزيارات الملكية لكبريات الدول العالمية، نجدها تكتسي طابع الهيبة وتتميز ببروتوكولات دبلوماسية ملكية عالية جدا، وهذا ما شهدناه في زيارات صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، للولايات المتحدة الأمريكية سنة 2022، وروسيا والصين سنة 2016، وفرنسا سنة 2017، والإمارات سنة 2023، والسعودية سنة 2015، وقطر سنة 2017، بالاضافة إلى زيارات أخرى يسجلها التاريخ.
فرغم أن المغرب له كلمة مسموعة لدى صناع القرار العالمي، إلا أنه لم يستغل هذا المعطى لتصفية الحسابات الضيقة، بل كسب احترام العالم بأسره، بتبنيه سياسة الحكمة والتأني، وترك الملاسنات الفارغة التي لا تزيد الطين إلا بلة، واعتمد سياسة حكيمة تنبني على الثبات في المواقف، وحب الخير للجميع، فسما شأنه بهذا السلوك الدبلوماسي المثالي.
لقد كانت الدبلوماسية الملكية الحضارية الرزينة، وسيلة فعالة لتعزيز العلامة الوطنية المغربية، فأصبح المغرب اليوم رمزا للوقار والتوازن، وأصبح نموذجا حضاريا يحتدى به لدى كبريات الدول العالمية، وهذا ما إنعكس إيجابا على صورة المغرب ومكانته العالمية، فأصبحت الثقافة المغربية مطلوبة بقوة في عدد من التظاهرات العالمية، ولنا في قرعة كأس العالم لكرة القدم بقطر لسنة 2022 خير مثال، من خلال إعتماد أبواب ثراتية ترمز للحضارة المغربية، كما أن عددا من نجوم العالم إختاروا لباسا مغربيا ثراتيا خلال إحيائهم لسهراتهم الفنية الخاصة، أو خلال حضورهم لمهرجانات عالمية.
فاسم المغرب أصبح مرتبطا بصورة نمطية تعكس الطيبة وحسن الإستقبال والأمن
والأمان، إضافة إلى الجمالية المطلقة، وهذا مرتبط بالحضارة العريقة للمغرب،
الذي عرف منذ القدم بهذه الخصال، سواء على المستوى السياسي أو الدبلوماسي،
وحتى على المستوى الشعبي، وهذا ما يجعلنا جميعا مطالبون اليوم قبل الغد، بالحفاظ على هذه المكتسبات الوطنية، من خلال حماية العلامة الوطنية التي تعاني من بعض التصرفات الغير مسؤولة لبعض الأشخاص الذاتيين والمعنويين، ضنا منهم أنهم يمثلون أنفسهم فقط، بينما هم سفراء موازون للعلامة الوطنية، ومطالبون بتغيير سلوكهم
واستحضار الروح الوطنية كلما تعلق الأمر بصورة المغرب، وإبعاد المغرب عن التصرفات الشادة والمواقف المسيئة، فمغربيتنا شرف لنا، ومن الواجب علينا احترامها، والعمل معا من أجل تعزيز صورة المغرب عالميا.
والمغرب اليوم في خطى ثابتة وواثقة تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بعد ترأس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لنيل مقعد الممثل الدائم للدول الافريقية أو العربية لدى مجلس الأمن الدولي، باعتباره الدولة المحورية التي تكاد تكون صديقة لجميع الدول، كما أنها الدولة الراقية حتى في خلافاتها
مع المبالغين في الإساءة لها.
وفي الختام، نقول أن إمتلاك المغرب لحق الفيطو، سيكون أداة أمن وسلام للعالم بأكمله.



