ذات صلة

أحدث المقالات

هشام حيضر… صناعة حضور سينمائي يتنامى بخطى ثابتة

اللقاء مع هشام حيضر، أو مجرد متابعة لمساره، تكشف...

“Sirat”: السينما بين الصحراء والموت – رحلة بصرية وروحية في قلب الوجود

في الدورة الثانية والعشرين للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، أثار فيلم “Sirat” للمخرج الإسباني-الفرنسي أوليفييه لاكس نقاشاً واسعاً، رغم عرضه ضمن العروض الخاصة خارج المسابقة الرسمية. الفيلم، الذي سبق أن نال جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان الأخير، يقدم تجربة سينمائية تتجاوز السرد التقليدي لتصبح رحلة فلسفية في الفضاء والموت.

الفضاء ككيان حي
من اللحظة الأولى، يفرض الفيلم نفسه عبر فضاء بصري واسع ومهيمن، حيث تتحول الصحراء والطبيعة المغربية إلى شخصية حقيقية في العمل، لا مجرد خلفية جمالية. المشاهد هنا لا يكتفي بالمشاهدة، بل يُستدعى للتفاعل مع المكان: مع الضوء، الصمت، وامتداد الأفق الذي يضع الشخصيات والمشاهد على المحك. هنا يبرز سؤال فلسفي: إلى أي مدى يمكن للفضاء أن يصبح فاعلاً في بناء السرد، بل ومعلماً روحياً يُرشد الشخصيات ويختبرها؟

الموت كتحرير وجودي
الفيلم يعالج موضوع الموت ليس كحدث درامي، بل كرحلة نحو الكرامة والتسامي الروحي. الشخصيات تواجه مصيرها المحتوم بوعي تام، ويبدو أنها تمر بلحظات صفاء داخلي قبل رحيلها. السؤال الذي يطرحه الفيلم ليس لماذا نموت، بل كيف نموت؛ وهو تأمل يتجاوز المألوف ويقترب من الفلسفة الصوفية التي ترى الموت لحظةً للتحرر الداخلي من الخوف والفناء. هنا، السينما تتحول إلى تجربة معرفية وروحية، تُعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والقدر.

المرجعيات الإسلامية والرمزية الروحية
العنوان نفسه، “Sirat”، يحمل أبعاداً متعددة: ليس مجرد مصطلح ديني، بل حالة وجودية تمثل جسر الإنسان بين الأرض والسماء. تتخلل الفيلم إشارات صوفية متأنية، حيث يصبح الصراط رمزاً للرحلة الداخلية نحو الحقيقة والوعي. هذه المزج بين البُعد الميتافيزيقي والبصري يفتح نافذة لفهم السينما العالمية التي تتقاطع مع الموروث الثقافي المغربي والإسلامي بطرق غير نمطية.

المشهد المغربي وإبداع عالمي
خبرة لاكس الطويلة في المغرب تتجلى في كيفية تصويره للطبيعة، التي تتصرف وكأنها مخرج ثانٍ للفيلم. الضوء، العراء، الصمت، كلها أدوات تكشف عن ما وراء الواقع، وتحوّل المشهد المغربي إلى مختبر إبداعي للفن السينمائي العالمي. المغرب هنا ليس مجرد موقع تصوير، بل كيان حي يحرك السرد ويوجه الانفعالات، مما يضعه في مركز النقاش حول دور الفضاء الطبيعي في الفن المعاصر.

ما وراء الواقع: وميض الحقيقة
“Sirat” ليس مجرد فيلم عن الصحراء أو الموت، بل محاولة التقاط لحظات تتجاوز الأشياء إلى جوهر التجربة الإنسانية. الطبيعة هنا ليست مشهداً جمالياً فقط، بل بوابة لفهم أعمق للوجود، حيث يصبح الضوء والصمت والفضاء أدوات لاستدعاء وميض الحقيقة، كما يسميه الصوفة. المشاهد يُستدعى للتأمل في اللحظة، وفي معنى حياته وعلاقته بالعالم والقدر.

خاتمة: Sirat كسؤال وجودي وفني
الفيلم يقدم نموذجاً فريداً للسينما التي تمزج بين المرجعيات الثقافية والروحانية، التجربة البصرية والفلسفية. إنه عمل يطرح أسئلة كبيرة: كيف يمكن للسينما أن تتجاوز سرد الواقع لتكشف ما وراءه؟ وكيف يمكن للفضاء والطبيعة أن يصبحا أداة فلسفية وروحية تفتح آفاقاً جديدة لفهم الإنسان ومصيره؟

spot_imgspot_img