ذات صلة

أحدث المقالات

المغرب يعيد تعريف دعم القضية الفلسطينية: من المزايدة إلى البراغماتية الهادئة

في ظرف إقليمي شديد التعقيد، اختارت المملكة المغربية أن...

الملك يُقصي أخنوش من ملف الدعم الفلاحي: ضربة بروتوكولية أم تحجيم سياسي؟

في مشهد سياسي لافت، حمل المجلس الوزاري المنعقد تحت...

لماذا سوف تظل إيران جمهورية تمرد في القاموس الأمريكي حتى لو حدث اتفاق نووي جديد؟

وحدها الحقائق تفرض نفسها على طريقة التعامل الأمريكي مع الجمهورية الإيرانية، وعلى رأس هذه الحقائق، تأتي حقيقة أن واشنطن بالمرحلة الحالية غير قادرة على فرض تغييرات تراها لازمة على سلوك طهران، وبناءًا على ذلك تستمر بالاشتباك السياسي معها استنادًا على احتمالات قدرتها التغيير بالمستقبل.

من هذا المدخل الفلسفي، قررت إدارة دونالد ترامب، الانخراط في مسار تفاوضي مع النظام الإيراني، فيما يتعلق بالملف النووي.

إيران الحالية من وجهة نظر أمريكية

لا جدال على أن إيران دولة حقيقية وقوة محورية تاريخية بالشرق الأوسط مثل غيرها من قوى المنطقة التقليدية كـ مصر وتركيا، ولقد ظلت هذه الدولة باقية عبر التاريخ بالموقع نفسه دون أن يطالها تغيير، ولهذا تهتم بها السياسة الأمريكية بدرجة أو درجات تزيد عن اهتمامها بما حولها.

ومن وجهة نظر أمريكية وغربية، فإن إيران بموقعها الجغرافي، الملاصق لروسيا والصين، والمجاور أيضًا لتركيا والخليج، تعتبر واجهة أمامية مع تركيا لمقابلة خصوم أمريكا والغرب من الروس والصينيين، وبالمناسبة ومهما بدا من تقارب بين إدارة ترامب ورجل الكرملين الحالي، فلاديمير بوتين، سوف تظل موسكو مصدر خطر وخوف على المصالح الأمريكية وتهديد مباشر للقارة الأوروبية، وبصرف النظر عن الفرد أو المجموعة التي تدير شؤون موسكو، قيصر أو حزب شيوعي أو بوتين أو ميدفيديف.

ولمّا كان نظام الحكم في إيران – الجمهورية الإسلامية أو ولاية الفقيه – يُصفح نفسه بالشعارات الثورية ويرفض نوعًا من التنسيق مع أمريكا بشأن بعض القضايا الدولية والإقليمية، سوف تظل الخلافات بينه وبين المصالح الأمريكية عند مستوى التناقض الذي ينقل الصراع بين الطرفين لمربع إما تبديل نظام الحكم الإيراني أو استخدام القوة لإسقاطه، وعندئذٍ يمكن أن يُخلق الحل.

لا استغراب إذًا أن يكون طموح نظام الحكم الإيراني ذي النزعة المستقلة، مرفوض أمريكيًا وغربيًا.

جوهر الخلافات

جوهر الخلافات الأمريكية – الإيرانية الراهنة، أكبر من أن يتوصل الطرفين المختلفين لحلولٍ بشأنها، والرؤية الأمريكية هي أن هناك طرفًا (طهران) يمارس التمرد، وطرف آخر (واشنطن) يريد ضبط هذا التمرد وترويضه، وأمريكا لا تزال تنظر لما يجري بإيران على أنه استمرارية للوضع الذي أفرزته ثورة العام 1979.

وبحالٍ من الأحوال، يرفض الأمريكيون وجود طرف قوي بمنطقة الشرق الأوسط يمكنه الانتشار خارج حدوده الجغرافية ومد تأثيره للجوار دون أن يكون هذا الطرف حليفًا أمريكيًا، ولأجل ذلك يستحيل على صانعي القرار بالولايات المتحدة، السماح لنظام الحكم الإيراني ببناء دولة قوية دونما يغير النظام الإيراني من مفاهيم الاستقلال في الحركة والشراكات التي يتبناها.

استراتيجية واشنطن تجاه طهران

هناك حيرة أمريكية وغربية تتعلق بالمسار اللازم اتباعه مع النظام الإيراني تتراوح ما بين احتوائه، وهو الذي يرفض أن يُحتوى، وبين تسديد الضربات إليه، والخيار الأخير لا تريده مراكز القرار الأمريكية والغربية، باعتبار أن حربًا في ظل الظروف الدولية الراهنة لن يتحملها أحدًا وسوف يطال أذاها الجميع.

ومعركة تقليم الأظافر الدائرة حاليًا بين واشنطن وطهران، تعتبر انعكاسًا لتلك الحيرة، فالطرف الأمريكي يُقدر جيدًا مخاطر تعرضه لهزيمة ثانية في إيران على غرار ما حدث بعد سقوط نظام حليفه الشاه.

وظل الأمريكيون يشغلون الإيرانيون حتى يتمكنوا من السيطرة الكاملة على سوريا، وكذلك نجحوا في تحويل أرض النهرين العراق إلى بؤرة عزل لإيران عن اتصالها بالعالم العربي، وبعد تدمير سوريا وسقوط بشار الأسد، فقدت طهران نقطة ارتكاز مهمة لها بالمنطقة، كما صارت وحدها دون حلفاء بالإقليم ومع تباعد تركيا الحليف الطبيعي عنها هي الأخرى.

أما عن الحركات أو الأذرع الحليفة لإيران بالمنطقة، فهي كانت ضعيفة ثم ازدادت ضعفًا منذ أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، على سبيل المثال حزب الله اللبناني، يواجه صعوبات حتى داخل بلده وصار صوته بالسياسة اللبنانية لا يُسمع إلا همسًا، والحركات المسلحة بالعراق بمسمياتها المختلفة أشبه بمسدسات الصوت وتأثيرها لا يتخطى حدودها الطبيعية، وجماعة الحوثي، تائهة في برية اليمن ووعورة توازنات القوى فيه ورهن الرفض الدولي لتصرفاتها، وحماس الحركة الفلسطينية، مدفونة تحت ركام غزة ومختبئة داخل أنفاقها لا تدري لها مستقبل سياسي.

ويبقى أهم أدوات الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران، وهو الحصار المحكم على النظام وعدم تركه لينمو، وتعد تلك الأداة مفصلية لحد أن فشلها ربما يؤدي لفشل خطة احتواء النظام الإيراني كلها.

إيران سوف تبقى معزولة حتى لو حدث الاتفاق

مهما كانت طبيعة الاتفاق الذي يتوقع أن يتوصل إليه الأمريكيون مع الإيرانيون – إذا توصلوا لاتفاق – فالحرب الأمريكية على النظام الإيراني سوف تبقى مستمرة، وهذا ما يدركه الإيرانيون جيدًا، كما يدركون أن الأمريكيون لديهم تقديرات على حدوث تحولات انفتاحية تأتي من داخل النظام الإيراني نفسه.

ومهما كانت أهمية الاتفاق بالنسبة لأمريكا، فإنها لن تسمح للعالم بأن يأتي لإيران أو أن تذهب إيران إليه بعد الاتفاق، وفقط ما سوف تسمح به واشنطن، الاتصالات المعلومة بين إيران والعالم ومن خلالها وبقدر ما تمليه الترتيبات الأمريكية باللحظة الراهنة.

وبالمقابل، فإن أي اتفاق أمريكي – إيراني، سوف يجعل طهران أقل شعورًا بالعزلة، وهذا أمرٌ لا يمكن إهماله.

وفيما يتعلق بالعالم العربي – المحيط المباشر لإيران ومجال تمددها وتأثيرها الراهن – تسود أيضًا حيرة تتعلق بما إذا كان من الضروري الانفتاح على الطرف الإيراني، وفي جميع الأحوال يظل القرار العربي في هذا الصدد مرهونًا بعدم الرغبة الأمريكية في حدوثه، أو ربما قد يسمح الأمريكيون بنوع من انفتاح بعض الدول العربية بعينها على إيران، ودونما يعني ذلك كسر طوق العزلة المفروض حولها.

spot_imgspot_img