في خطوة أثارت قلقًا متزايدًا في الأوساط الأمنية والدبلوماسية، شهدت مدينة السمارة جنوب المغرب هجومًا صاروخيًا استهدف منطقة قريبة من ثكنة تابعة لبعثة الأمم المتحدة (المينورسو)، في تصعيد غير مسبوق تبنته رسميًا جبهة “البوليساريو” الانفصالية. ورغم غياب الضحايا في الأرواح أو الممتلكات، إلا أن الحادث يعيد إلى الواجهة أسئلة جوهرية حول تحول الجبهة إلى فاعل غير دولتي ذي طبيعة إرهابية، وتداخلها مع شبكات التسلح والتطرف المدعومة إقليميًا.
السياق: تصعيد ميداني يتجاوز الرسائل الرمزية
تزامن الهجوم مع تحركات تشريعية أمريكية داخل الكونغرس، حيث أعلن النائبان الجمهوري جو ويلسون والديمقراطي جيمي بانيتا تقديم مشروع قانون لتصنيف “البوليساريو” كمنظمة إرهابية أجنبية. وفي هذا التوقيت بالضبط، يأتي هذا الاستهداف ليبدو وكأنه رد ميداني موجه للرأي العام الدولي، يحمل طابع التحدي والاستعراض أكثر مما يعكس قوة عسكرية.
ما يلفت النظر هو أن القصف تزامن مع تغطيات إعلامية منظمة من قبل منصات موالية للجبهة، في مشهد يشي بأن الأمر ليس مجرد حادث معزول، بل فعل محسوب بعناية في سياق حرب المعنويات والنفوذ.
صواريخ “آراش”.. من تندوف إلى السمارة؟
مع تداول صور بقايا المقذوفات، رجّح خبراء أمنيون أن الصواريخ المستخدمة من طراز “آراش” الإيرانية الصنع، والتي سبق استخدامها من قبل مليشيات موالية لطهران في مناطق نزاع كسوريا ولبنان. ومع تسريبات وتقارير استخباراتية تشير إلى تلقي عناصر البوليساريو تدريبات في سوريا بإشراف “حزب الله”، تتعزز فرضية وجود محور دعم ممتد بين طهران، بيروت، وتندوف، بتنسيق مباشر أو غير مباشر مع أجهزة جزائرية.
"في تطور خطير يعكس تصعيدًا ميدانيًا غير مسبوق، تعرضت مدينة السمارة لقصف صاروخي تبنته جبهة البوليساريو، مستهدفًا محيط ثكنة تابعة لبعثة المينورسو، دون تسجيل خسائر بشرية، لكنه أثار تساؤلات عميقة حول تورط الانفصاليين في أنشطة إرهابية عابرة للحدود." pic.twitter.com/xV6fOsP0Br
— Diplomatique.ma الدبلوماسية (@diplomatique_ma) June 28, 2025
هل يتعلق الأمر بمجرد تزويد بالسلاح، أم ببناء عمق استراتيجي إرهابي على حدود المغرب، يهدد الأمن الإقليمي بأسره؟ هذا سؤال بات مطروحًا بجدية في دوائر القرار الغربي.
منظمات الضحايا تدق ناقوس الخطر منذ عقود
منذ عام 2006، تأسست جمعية “ضحايا الإرهاب الكناريين” ACAVITE بقيادة لوسيا خيمينث، التي قُتل والدها على يد جبهة البوليساريو. وقد حظيت هذه الجمعية باعتراف رسمي من الدولة الإسبانية، ما يجعل من تصنيف البوليساريو كجماعة إرهابية مطالبة مدنية أيضًا، وليس فقط مطلبًا استراتيجيًا مغربيًا.
أضف إلى ذلك، توثيق عمليات سابقة للجبهة تشمل سرقة متفجرات، تهريب أسلحة، ومحاولات شراء مواد كيماوية حساسة، وهي معطيات موثقة في تقارير استخباراتية تعود إلى سنوات ما قبل 2010.
المخيمات المغلقة في تندوف: حاضنة إرهاب أم لاجئين؟
لا يمكن فهم هذا التصعيد خارج سياق الوضع الأمني في مخيمات تندوف جنوب الجزائر، حيث تؤكد تقارير دولية، من بينها تلك الصادرة عن معهد الدراسات الأمنية الإفريقية (ISS)، تحولها إلى مناطق خارجة عن القانون، تُستخدم لتدريب وتخزين الأسلحة والتنسيق مع تنظيمات تنشط في الساحل الإفريقي، أبرزها القاعدة و”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”.
المغرب.. سياسة ضبط النفس أم إعادة تموقع ذكي؟
رغم الاستفزاز، اختارت الرباط الرد السياسي الهادئ، مستندة إلى دعم أممي متنامٍ لموقفها في ملف الصحراء، ومركزة على أوراق القوة الناعمة والتنمية المتسارعة في الأقاليم الجنوبية. هذا التريث يُفسر في بعض دوائر التحليل بأنه جزء من استراتيجية أوسع لكسب معارك الاعتراف الدولي، بدلاً من الانجرار إلى ردود فعل عسكرية قد تُستغل لتصوير المغرب كمعتدٍ.
لكن بالمقابل، يطرح هذا الصبر المغربي سؤال الجدوى: إلى متى؟ ومتى يصبح الحزم ضرورة لحماية السيادة والأمن؟
خلاصات وتساؤلات مفتوحة:
-
هل يشكّل هجوم السمارة نقطة تحول في تصنيف “البوليساريو” دوليًا؟
-
إلى أي مدى تتحمل الجزائر مسؤولية هذا التصعيد في ظل دعمها المالي والسياسي؟
-
هل بدأ يتشكل محور إرهابي – انفصالي في الساحل يهدد الأمن القاري؟
-
وهل حان الوقت لإعادة تعريف طبيعة الصراع في الصحراء بوصفه مواجهة بين دولة وتنظيم مسلح عابر للحدود؟