كتب نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري الأسبق، مقالًا تحت عنوان: النظام الدولي: الثراء والقوة وغياب الريادة الرشيدة، بالنسخة العربية من موقع الإندبندنت، ونشر بتاريخ 28 أبريل (نيسان) المنقضي، اعتبر فيه أن قدرات الدول المادية والعسكرية، ربما تكون مهمة وضرورية في حماية مصالحها وتحقيق متطلبات شعوبها، ولكن المبالغة بالاعتماد عليهما، سواءًا الثراء أو القوة، قد يحولهما إلى ثراء مهيمن مضر، وقوة غاشمة ظالمة.

تساؤلات بلا إجابات حول النظام الدولي المعاصر
وصف نبيل فهمي، المرحلة الراهنة التي يمر بها النظام الدولي، بأنها مرحلة انتقالية خطرة ومضطربة، كاشفًا عن وجود تساؤلات تتعلق بشكل النظام الدولي المعاصر وأقطابه.. وهل هو عودة لنظام عالم القطبين الأمريكي والروسي؟، أو هل سوف تحتل الصين محل روسيا فيه؟، أو هل سوف تبقى هذه الأطراف الثلاثة أقطابًا لعالمنا؟، أو هل سوف يقودنا قطب أوحد أمريكي أو صيني؟، أو هل سوف يقوم نظام دولي متعدد الأطراف ولا يكون لأي طرف من أطرافه القدرة على حسم الأمور بمفرده؟، أو هل عالمنا يقف على أبواب نظام دولي متعدد الأقطاب ذوي أطراف كثيرة وقوية ومتنازعة؟.
جدل حول معايير حساب ثروات الدول وقوتها
يجادل وزير الخارجية المصري الأسبق، بأن هناك اختلاف في معايير حساب ثروات الدول وقوتها نتيجة تباين الاعتبارات التي تدخل في عملية الحساب، فإذا كان معيار حساب ثروات الدول هو دخل المواطن، سوف تتصدر لوكسمبورغ دول العالم، ثم تأتي بعدها سنغافورة، بينما تكون الولايات المتحدة – صاحبة أكبر اقتصاد بالعالم – بالمركز الـ 10، والهند – صاحبة خامس اقتصاد بالعالم – بالمركز الـ 124، وإذا كان المعيار هو الناتج القومي للدولة، سوف تأتي الصين بالمقدمة، وبعدها الولايات المتحدة، ثم الهند وروسيا واليابان وألمانيا.
وفيما يتعلق بحساب القوة، يشير فهمي إلى أن الإنفاق العسكري العالمي وصل لمستوى 2,46 تريليون دولار، نصيب الولايات المتحدة وحدها من هذا الإنفاق يزيد عن 824 مليار دولار، وهي الدولة الأعلى في الأنفاق العسكري على الكوكب، بينما تظل القوة – في رأيه – محكومة بأحوال وساحات واعتبارات عسكرية قصيرة وطويلة المدى، وبالطبيعة الجغرافية، والأهداف والطموحات السياسية للدول على المستويين الإقليمي والدولي.
وفي رأيه أيضًا، فإن تباين الطموحات الوطنية والإقليمية والدولية للدول، يخلق حالة من عدم جدوى عقد مقارنات بين القوى العالمية والإقليمية، نظرًا لاختلاف الأهداف السياسية لكلٍ منها والتي تجعل من المستحيل دخول بعضها بصدامات عسكرية مع بعضها الآخر.
تطورات تغير كل شيء
يقول نبيل فهمي، إنه يرى من الخطأ الاعتماد على أن الثراء أو القوة لهما صفة الدوام، كما يرى أن الثراء المهيمن مضر، والقوة الغاشمة ظالمة، ويذكر بالتطورات السياسية والعالمية التي وقعت على مدى الزمن وأدت لتغييرات كبرى على مستوى الدول كـ تآكل الاستعمار الأوروبي القديم، والنهاية المرحلية للحرب الباردة بين الأمريكيين والسوفيت، وحلول شركات الاتصالات والتكنولوجيا بدلًا من شركات الطاقة، ضمن قوائم الشركات الأغنى بالعالم، ومن وجهة نظره أيضًا، فهذه التغييرات بدلت من طبيعة وشكل النظام الدولي والقوة وتعريفها والحروب وأشكالها، وقد صارت – الحروب – تدار عن بعد وأصبحت أكثر تدميرًا.
قبل أن تنفلت الأمور
ينصح الوزير الأسبق، نبيل فهمي، بتبني مفاهيم إدارة الأزمات واتخاذ عدد من الخطوات الاستباقية المرحلية لضبط الأمور الدولية والحيلولة دون تفاقمها بسبب غياب القوى الدولية ذات الريادة الرشيدة والسوية والحكيمة، وبما أن المؤسسات والنظم الدولية حاليًا تعيش مرحلة مضطربة وليس من الواضح بعد من هي الدول أو المنظمات التي يمكن على المستوى الدولي أن تحظى بالأدوار الريادية بالمستقبل، يجوز اعتبار أن اللجوء لطرق إدارة الأزمات، إحدى مسارات تجنب الانهيار الكلي للنظام الدولي وتفتيته، وبالوقت ذاته إصلاحه بحيث يصبح أكثر اتساقًا مع الواقع السياسي العالمي الراهن، وقادرًا على مجابهة تحديات المستقبل، وقبل أن تنفلت الأمور.